{يَرْغَبُواْ}: الرغبة: طلب المنفعة .وهنا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه أي يطلبون نفع نفوسهم دون نفسه .
{ظَمَأٌ}: شدة العطش .
{نَصَبٌ}: تعب .
{مَخْمَصَةٌ}: مجاعة .
{يَطَأُونَ مَوْطِئًا}: يدوسُون أرضاً .
{يَغِيظُ}: الغيظ: أشدُّ الغضب .
للجهاد متاعبه ..وثوابه
ربّما كان التخلف عن رسول الله قد تحوّل إلى ما يشبه الظاهرة ،أو انتهى إلى ما يمثل المشكلة ،ولهذا جاء القرآن ليوجّه هؤلاء الذين يعيشون معه ،أو قريباً منه ،إلى النتائج الكبيرة الإيجابيّة على مستوى الثواب العظيم عند الله ،الذي يعوّض كل الآلام والأتعاب والخسائر التي تصيبهم في خطّ الجهاد ،بحيث يشعرون بالسعادة لما يقدّمونه من تضحيات وما يبذلونه من جهدٍ في سبيل الله ،فيتوازن لديهم السلبيّة في المقدّمات والإيجابيّة في النتائج على مستوى الدار الآخرة والقرب من الله .
خطأ المتخلّفين عن الجهاد
{مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ} الذين يعيشون مع النبي ويواجهون التحديات معه ،ويؤيدون المواقف التي يقفها من موقع الدراسة الواعية لما يحتاجه الإسلام في حركته ونموّه وفاعليته في الحياة ،من جهدٍ وجهادٍ وموقفٍ حاسم على مستوى ردّ التحدي بمثله أو بأقوى منه .فهم الأولى بالاستجابة لنداء الجهاد الصادر من النبيّ ،لأنهم الأعرف من الآخرين بطبيعة الموقف ،ولأنهم الأقرب إليه ،هم{وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأعْرَابِ} الذين قد يملكون من المعرفة ما يملكه أهل المدينة ،بسبب الاتصال الدائم بهم ،{أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ} في نداء المعركة وحركتها ،لأن ذلك يعطّل الخطّة ،ويعقّد الموقف ،لأنّ المعركة قد تحتاج إلى سرعةٍ في التحرك ،ما يفرض أن يكون الجيش جاهزاً عند أوّل انطلاقةٍ للتحدي ،وقد لا يتيسر ذلك لدى الأفراد البعيدين عن المدينة ،إذا تخلف أهل المدينة ومن حولهم عن الاستجابة للنداء .{وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} فإن من علامة الإيمان أن يعيش المؤمنون الشعور بالمسؤولية عن سلامة الخط وسلامة الموقع وسلامة القيادة المتمثلة بالرسول( ص ) ،فلا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ،فيستريحوا لحبّ الحياة في الوقت الذي يجدونه خارجاً لملاقاة الموت في سبيل الله ،عندما تفرض عليه تحديات المعركة ذلك ،لأن قيمة الحياة لدى المؤمن أن يحوّلها إلى طاقةٍ متحركةٍ في سبيل الله ،ليفجّرها من أجل البناء في جانب ومن أجل هدم الباطل في جانب آخر .ولذلك فإن الاحتفاظ بها لنوازع ذاتيّة وشهواتٍ طارئةٍ ،لا يتناسب مع المفهوم الإسلامي لدور الحياة في حركة الشخصية الإسلامية .
ثواب الخروج مع النبي
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ} أي مجاعة ،في ما يصيب المجاهدين في بعض المعارك البعيدة عن مواطنهم ،من عطشٍ وجهدٍ وتعب وجوع{فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} في ما يتقدمون به من خطواتٍ للفتح في مواجهة الأعداء ،وفي ما يفتح الله عليهم من بلاد الكفار ،أو من خلال ما يحقّقونه من مبادراتٍ من أجل الرسالة والرسول{وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً} في ما يصيبونه به من قتلٍ أو جرحٍ أو خسارة في الأموال والمواقع{إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} بسبب ما يمثّله عملهم هذا بأنواعه من جهدٍ كبير في سبيل تحقيق الأهداف الكبرى التي يرضاها الله لعباده المؤمنين ،وذلك هو أساس العمل الصالح ،في ما ينطلق به من دوافع الخير ،وفي ما يحققه من أهداف الحق{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} الذين أحسنوا لله النيّة والعمل والموقف ،واستجابوا له في ما أمرهم به أو نهاهم عنه ،من دون مراعاةٍ للسلبيات الذاتية المترتبة على ذلك كله .