إن علينا للهدى
{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} فنحن نصوغ شخصية الإنسان صياغة عقلانيةً بحيث ينفتح بعقله على كل قضايا العقيدة من موقع انفتاحه على الحقيقة ،ليهتدي بذلك إلى المنهج الحق إذا استعمل عقله وحرَّكه في اتجاه التفكير في مواجهة الشبهات ،أو في حل المشاكل الفكرية التي يثيرونها ضد العقيدة الحقة ،أو في الإجابة عن كل علامات الاستفهام في هذا الاتجاه .فالعقل هو الذي يمثل الرسول الداخلي الذي يدعو الناس إلى الله ،وهو الذي يمثِّل الحجة التي يحتج بها الله على عباده ،في حين يتصدى الوحي إلى معالي القضايا التي لا يستقل العقل بإدراك تفاصيلها ،أو لا يملك الوسائل للوصول إليها ،لتكتمل للإنسان ،بالعقل والوحي ،عملية هدايته .
وهذا هو الأقرب في المراد من تكفُّل الله للناس بالهداية ،فلا مجال للاعتراض على الآية بأنها دالّةٌ على الجبر ،باعتبار أن مفادها هو أن الله جعل الهدى عليه ،بمعنى أنه يلتزم حصول الهداية للناس بإرادته التي لا تتخلف عن مراده ،لأن المسألة هي تهيئة أسبابها التي إذا أخذ الناس بها من ناحية الفكر اهتدوا بها من موقعٍ الاختيار الحرّ ،وإذا لم يأخذوا بها ضلّوا ،وفي كلا الحالين ،فإن الله قد أعطى للعقل هداه وللناس هدايتهم .