{ ) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ) ( البقرة:166 )
التفسير:
قوله تعالى:{إذ تبرأ الذين اتبعوا}؛{إذ} ظرف عامله محذوف ؛والتقدير: اذكر إذ تبرأ ؛والمراد بالذكر هنا: الذكر للغير ،والتذكر أيضاً ؛فالله سبحانه وتعالى يُذكِّرنا ،ويأمرنا أيضاً أن نذكر لغيرنا ؛و{تبرأ} أي تخلى ،وبعُد{الذين اتُّبِعوا}: وهم الرؤساء ،والسادة يتبرءون من{الذين اتَّبعوا}: وهم الأتباع ،والضعفاء ،وما أشبههم ؛فمن ذلك مثلاً: رؤساء الكفر يدعون الناس إلى الكفر ،مثل فرعون: فقد دعا إلى الكفر ؛فهو متَّبَع ؛وقومه متَّبِعون ؛وكذلك غيره من رؤساء الكفر ،والضلال ،فإنهم أيضاً متَّبَعون ؛ومن تبعهم فهو متّبِع ،فهؤلاء يتبرأ بعضهم من بعض ؛وقد ذكر الله سبحانه وتعالى مناقشة بعضهم لبعض ،ومحاجة بعضهم بعضاً في عدة آيات .
ولا يشمل قوله تعالى:{إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا} من اتبع أئمة الهدى ؛فالمتبعون للرسل لا يتبرأ منهم الرسل ؛والمتبعون لأئمة الهدى لا يتبرأ منهم أئمة الهدى ؛لقوله تعالى:{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [ الزخرف: 67]؛فالأخلاء ،والأحبة يوم القيامة يتبرأ بعضهم من بعض إلا المتقين .
قوله تعالى:{ورأوا العذاب}؛أمامنا الآن فعل ماض في{تبرأ} ،وفعل ماض في{رأوا}مع أن هذا الأمر مستقبل؛لكن لتحقق وقوعه عبر عنه بالماضي ؛وهذا كثير في القرآن .
وقوله تعالى:{ورأوا العذاب} أي رأوه بأعينهم ،كما قال تعالى:{ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً} [ الكهف: 53]؛و{العذاب} هو العقوبة التي يعاقب الله بها من يستحقها .
قوله تعالى:{وتقطعت بهم الأسباب}؛الباء هنا إما أن تكون بمعنى «عن » ؛أو تكون صلة بمعنى أنهم متشبثون بها الآن ،ثم تنقطع بهم كما ينقطع الحبل بمن تمسك به للنجاة من الغرق ؛و{الأسباب} جمع سبب ؛وهو ما يتوصل به إلى غيره ؛والمراد بها هنا كل سبب يؤملون به الانتفاع من هؤلاء المتبوعين ،مثل قولهم:{اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} [ العنكبوت: 12] ،وقول فرعون لقومه:{ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} [ غافر: 29]؛فهذه الأسباب التي سلكها المتبعون ظناً منهم أنها تنقذهم من العذاب إذا كان يوم القيامة تقطعت بهم ؛ولا يجدون سبيلاً إلى الوصول إلى غاياتهم ؛وفسر ابن عباس رضي الله عنهما{الأسباب} هنا بالمودة ؛أي تقطعت بهم المودة ؛وهذا التفسير على سبيل التمثيل ؛والآية أعم من ذلك ؛ووجه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية في سياق محبة هؤلاء المشركين لأصنامهم .
الفوائد:
1من فوائد الآية: أن المتبوعين بالباطل لا ينفعون أتباعهم ؛لقوله تعالى:{إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا}؛ولو كانوا ينفعونهم لم يتبرؤوا منهم .
2ومنها: أن الأمر لا يقتصر على عدم النفع ؛بل يتعداه إلى البراءة منهم ،والتباعد عنهم ؛وهذا يكون أشد حسرة على الأتباع مما لو كان موقفهم سلبياً .
3ومنها: ثبوت العقاب ؛لقوله تعالى:{ورأوا العذاب} .
ويتفرع عليه ثبوت البعث .
4ومنها: أن الله سبحانه وتعالى يجمع يوم القيامة بين الأتباع والمتبوعين توبيخاً ،وتنديماً لهم ؛ويتبرأ بعضهم من بعض ؛لأن هذالا شكأعظم حسرة إذا صار متبوعه الذي كان يعظمه في الدنيا يتبرأ منه وجهاً لوجه .
5ومنها: أن جميع الأسباب الباطلة التي لا تُرضي الله ورسوله ،تتقطع بأصحابها يوم القيامة ،وتزول ،ولا تنفعهم .
6ومنها: أن من استغاث بالرسل ،أو غيرهم من المخلوقات فيما لا يقدر عليه إلا الله ،فقد ضل في دينه ،وسفه في عقله ،وأتى الشرك الأكبر .