)وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) ( البقرة:167 )
التفسير:
قوله تعالى:{وقال الذين اتبعوا}: هم الأتباع .
قوله تعالى:{لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم}؛{لو} هنا ليست شرطية ؛ولكنها للتمني ؛يعني: ليت لنا كرة فنتبرأ ؛والدليل على أنها للتمني أن الفعل نصب بعدها ؛وهو منصوب ب«أنْ » المضمرة بعد الفاء السببية ؛و«لو » تأتي في اللغة العربية على ثلاثة أوجه: تكون شرطية ؛وتكون للتمني ؛وتكون مصدرية ؛ف{لو} في قوله تعالى:{وودوا لو تكفرون} [ الممتحنة: 2] مصدرية ؛و{لو} في قوله تعالى:{ولو شاء الله ما اقتتلوا} [ البقرة: 253] شرطية ؛{لو} في قوله تعالى:{لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم} للتمني ؛ومثلها قوله تعالى:{فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين} [ الشعراء: 102] .
و«الكرة » الرجوع إلى الشيء ؛والمراد هنا: الرجوع إلى الدنيا ؛فنتبرأ منهم في الدنيا إذا رجعنا كما تبرءوا منا هنا في الآخرة ؛فنجازيهم بما جازونا به ؛لكن أنى لهم ذلك !!!فهذا التمني لا ينفعهم ؛ولذلك قال الله سبحانه وتعالى:{كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}؛و{كذلك}: الكاف: اسم بمعنى «مثل » ؛وهي مفعول مطلق عامله الفعل بعده ؛وهذا كثيراً ما يأتي في القرآن ،كقوله تعالى:{وكذلك يفعلون} [ النمل: 3] ،وقوله تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} [ البقرة: 143] .
وقوله تعالى:{يريهم} من: أرى يُري ؛فزيادة الهمزة جعلتها تنصب ثلاثة مفاعيل ؛الأول: الضمير ،والثاني:{أعمالهم}؛والثالث:{حسرات}؛و{حسرات} جمع حسرة ؛وهي الندم مع الانكماش ،والحزن ؛فهؤلاء الأتباع شعورهم بالندم ،والخيبة ،والخسران لا يتصور ؛فالأعمال التي عملوها لهؤلاء المتبوعين صارت - والعياذ بالله - خسارة عليهم ،وندماً ؛ضاعت بها دنياهم ،وآخرتهم ؛وهذا أعظم ما يكون من الحسرة .
قوله تعالى:{وما هم بخارجين من النار} ،أي أنهم خالدون فيها .
الفوائد:
1من فوائد الآية: أن هؤلاء الأتباع يتمنون أن يرجعوا إلى الدنيا ليتبرءوا من متبوعيهم كما تبرأ هؤلاء منهم في الآخرة ؛وهو غير ممكن ؛وما يزيدهم هذا إلا حسرة ؛ولهذا قال الله تعالى:{كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم} .
2ومنها: تحسر هؤلاء ،وأمثالهم الذين فاتهم في هذه الدنيا العمل الصالح ؛فإنهم يتحسرون في الآخرة تحسراً لا نظير له لا يدور في خيالهم اليوم ،ولا في خيال غيرهم ؛لأنه ندم لا يمكن العتبى منه .
3ومنها: إثبات نكال الله بهم ؛لقوله تعالى:{كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم} .
4ومنها: أن المشركين مخلدون في النار لا يخرجون منها ؛لقوله تعالى:{وما هم بخارجين من النار}؛وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الخلود الأبدي في النار في ثلاثة مواضع من القرآن: في سورة النساء ؛وفي سورة الأحزاب ؛وفي سورة الجن ؛وبه يبطل قول من ادعى أن النار تفنى ؛لأن خلود الماكث الأبدي يدل على خلود مكانه .
5ومنها: إثبات النار ،وأنها حق .