وإن أولئك الذين أضلهم كبراؤهم ، وأخذوا عليهم طريق الهداية ينالهم الألم المرير ، لأنه كان –بين طريق الحق المستقيم ومخاوف الشيطان على الطريق –النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويهدي ، وعلى رأس السبل الأخرى شياطين الإنس يقودونهم إلى الضلال ، فسلكوا طريقهم ، فلما كان عذاب يوم القيامة يتخلى عنهم الذين قادوهم إلى مهاوي الشر ، وكانوا معهم في النيران وتبرءوا منهم ، فتمنى التابعون أن يعودوا إلى الدنيا ، ليتبرأوا منهم كما تبرأوا هم منهم ، ولذا قال الله تعالى:{ وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا} "الكرة":الرجعة مرة أخرى إلى ما كانوا في الدنيا ، و"لو"تفسير هذا التمني أنهم في الآخرة ، أخلوا بهم وتبرأوا منهم فتمنيهم العود إلى الدنيا ليتبرءوا من دعوتهم إلى الباطل وينفروا منهم ويتبعوا الصالحات . فالمتبعون يتبرءون منهم في الآخرة ، ويتمنون أن يعودوا إلى الدنيا ، ليعلنوا التبرؤ منهم ومنافرتهم بالبعد عنهم كما خذلوهم في هذه الشدة ، وقد بين سبحانه أن تمنياتهم لو حققت ما تبرأوا وما عملوا فقال تعالى:{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه . . . 28} [ الأنعام] وإن غرور الحياة لا يمكنهم من أن يعتبروا بل ستدفعهم أهواؤهم إلى مثل ما فعلوا أولا فهم في ريبهم يترددون ، وإن ذلك التصوير الذي صوره الله تعالى لحالهم يوم القيامة هو ليريهم أعمالهم حسرات عليهم ، ولذلك قال تعالى:{ كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم} .
أي كان هذا منهم كذلك ليكون ذلك عقابا لهم فوق عقابهم بعذاب النار ، وذلك العقاب بأن يريهم أعمالهم التي مضت على أنها حسرات ، توالت عليهم حسرة بعد حسرة ، فكان جمعها للدلالة على كثرتها وأنها متوالية حسرة تخلفها حسرة ، وإذ أعمالهم كثيرة ، فحسراتهم كثيرة ، وحسرات مفعول ثان ، فالله تعالى يريهم تلك الأعمال حسرات تكبو لها النفوس بعد أن كانت في الدنيا مسرة يفرحون بها ويطربون بسوء ما يفعلون .
ومع هذه التمنيات التي تجعل نفوسهم متلهفة على العودة إن كان ذلك ممكنا ، والحسرات المتتابعة فهم في النار خالدون فيها ، ولذا قال تعالى:{ وما هم بخارجين من النار} فنفى الله تعالى نفيا باتا قاطعا خروجهم من النار ، وأكد ذلك النفي باستغراق النفي الثابت بالباء وبضمير الفصل وبالجملة الاسمية .