{ )وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) ( البقرة:170 )
التفسير:
قوله تعالى:{وإذا قيل لهم}؛{قيل} مبني أصلها «قُوِل » ؛لكن صار فيها إعلال ؛وهي أن الواو مكسورة فقلبت ياءً ،فكُسر ما قبلها للمناسبة ؛و{لهم} أي للكفار .
قوله تعالى:{اتبعوا ما أنزل الله} عقيدةً ،وقولاً ،وفعلاً ؛و{ما} اسم موصول يفيد العموم فتشمل جميع ما أنزل الله على رسوله ( ص ) من الكتاب ،والحكمة ؛وقد قال كثير من أهل العلم: «الحكمة » هي السنة ؛فإذا قيل لهم هذا القول لا يلينون ،ولا يُقبلون ؛بل يكابرون .
قوله تعالى:{قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}؛{بل} هذه للإضراب الإبطالي ؛يعني: قالوا مبطلين هذا القول الذي قيل لهم:{بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}؛{ما} اسم موصول ؛{ألفينا} أي وجدنا ،كما قال تعالى في آية أخرى:{بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا} [ لقمان: 21]؛والقرآن يفسر بعضه بعضاً .
وقوله تعالى:{ما ألفينا عليه آباءنا} يعني ما وجدناهم عليه من العقيدة والعمل ،حقاً كان أو باطلاً ؛و{آباءنا} يشمل الأدنى منهم ،والأبعد ؛وجوابهم هذا باطل خطأ ؛ولهذا أبطله الله تعالى في قوله:{أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}؛والمعنى: أيتبعون آباءهم ولو كان آباؤهم في هذه الحال التي لا يستحقون أن يُتَّبعوا فيها لا يعقلون شيئاً ؛والمراد بالعقل هنا عقل الرشد ؛لا عقل الإدراك ؛فآباؤهم أذكياء ،ويدركون ما ينفعهم ،وما يضرهم ؛لكن ليس عندهم عقل رشد - وهو حسن تصرف - .
وقوله تعالى:{شيئاً} نكرة في سياق النفي ؛والنكرة في سياق النفي للعموم ؛فإذا قال قائل: إذا كانت للعموم فمعنى ذلك أنهم لا يعقلون شيئاً حتى من أمور الدنيا مع أنهم في أمور الدنيا يحسنون التصرف: فهم يبيعون ،ويشترون ،ويتحرون الأفضل ،والأحسن لهم ؟فيقال: هذا ليس بشيء بالنسبة إلى ما يتعلق بأمور الآخرة ؛أو يقال: إن المراد بهذا العموم الخصوص ؛أي لا يعقلون شيئاً من أمور دينهم لأن المقام هنا مقام منهاج ،وعمل ،وليس مقام دنيا ،وبيع ،وشراء ؛فيكون المراد بقوله تعالى:{شيئاً} شيئاً من أمور الآخرة ؛وكلا الاحتمالين يرجع إلى معنى واحد .
قوله تعالى:{ولا يهتدون} أي لا يعملون عمل العالم المهتدي ؛وبهذا انتفى عنهم الرشد في العمل ؛والعلم في طريق لا يستحقون أن يتبعوا ؛ولهذا جاءت همزة الإنكار في قوله تعالى( أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون ) ؛وأقرب شبه لهؤلاء الآية التي بعدها .
الفوائد:
1- من فوائد الآية: ذم التعصب بغير هدى ؛لقوله تعالى:{بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}؛مع أن آباءهم لا عقل عندهم ،ولا هدى .
2ومنها: أن من تعصب لمذهب مع مخالفة الدليل ففيه شبه من هؤلاء ؛والواجب أن الإنسان إذا قيل له: «اتبع ما أنزل الله » أن يقول: «سمعنا ،وأطعنا » .
3ومنها: أنه لا يجب الانقياد إلا لما أنزل اللهوهو الكتاب ،والحكمة.
4ومنها: بيان عناد هؤلاء المستكبرين الذين إذا قيل لهم:{اتبعوا ما أنزل الله} قالوا:{بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا} دون أن يقيموا برهاناً على صحته .
5ومنها: أن كل من خالف الحق ،وما أنزل الله فليس بعاقل ،وليس عنده هدًى ؛لقوله تعالى:{لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون} .