)وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) ( البقرة:50 )
التفسير:
قوله تعالى:{وإذ}: متعلقة بمحذوف ؛والتقدير: واذكروا .يعني بني إسرائيل .إذ ؛{فرقنا بكم البحر} أي فلقناه لكم ،وفصلنا بعضه عن بعض حتى عبرتم إلى الشاطئ ..
قوله تعالى{فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون}: وذلك أن موسى ،وقومه لما تكاملوا خارجين من هذا الذي فلقه الله عزّ وجلّ من البحر دخل فرعون ،وقومه ؛فلما تكاملوا داخلين أمر الله تعالى البحر ،فانطبق عليهم ،فغرقوا جميعاً ..
قوله تعالى:{وأنتم تنظرون}: الجملة هذه حالية .أي أن هذا وقع والحال أنكم تنظرون ؛ولهذا قال الله .تبارك وتعالى .لفرعون:{فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية} [ يونس: 92] ينظرون إليك أنك قد هلكت ..
الفوائد:
. 1 من فوائد الآية: مناسبة قوله تعالى:{وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} لما قبله ظاهرة جداً ،وذلك أنه لما ذكر الله سبحانه وتعالى تسلُّطَ آل فرعون عليهم ذكر مآل هؤلاء المتسلطين ؛وأن الله أغرقهم ،وأنجى هؤلاء ،وأورثهم أرضهم ،كما قال الله تعالى:{وأورثناها بني إسرائيل} ( الشعراء: 59 ) .
. 2ومنها: تذكير الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بنعمه ؛وقد تضمن هذا التذكير حصول المطلوب ،وزوال المكروه ؛حصول المطلوب: بنجاتهم ؛وزوال المكروه: بإهلاك عدوهم ..
. 3ومنها: بيان قدرة الله تعالى على كل شيء ؛فهذا الماء السيال أمره الله .تبارك وتعالى .أن يتمايز ،وينفصل بعضه عن بعض ؛فانفلق ،فكان كل فرق كالطود العظيم .أي كالجبل العظيم ؛وثم وجه آخر من هذه القدرة: أن هذه الطرق صارت يبساً في الحال مع أنه قد مضى عليها سنون كثيرة لا يعلمها إلا الله عزّ وجلّ والماء من فوقها ،ولكنها صارت في لحظة واحدة يبساً ،كما قال تعالى:{ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى} [ طه: 77]؛وقد ذكر بعض المفسرين أنه كانت في هذه الفرق فتحات ينظر بعضهم إلى بعض .حتى لا ينْزعجوا ،ويقولوا: أين أصحابنا ؟!وهذا ليس ببعيد على الله سبحانه وتعالى ..
وقد وقع مثل ذلك لهذه الأمة ؛فقد ذكر ابن كثير .رحمه الله في"البداية والنهاية "أنه ما من آية سبقت لرسول إلا لرسولنا صلى الله عليه وسلم مثلها: إما له صلى الله عليه وسلم هو بنفسه ،أو لأمته ؛ومعلوم أن الكرامات التي تقع لمتبع الرسول هي في الحقيقة آيات له ؛لأنها تصديق لطريق هذا الولي المتبع للرسول ؛فتكون آية على صدق الرسول ،وصحة الشريعة ؛ولهذا من القواعد المعروفة أن كل كرامة لولي فهي آية لذلك النبي المتبع ؛وذكر ابن كثير رحمه الله في"البداية والنهاية "على ذلك أمثلة ؛ومنها أن من الصحابة من مشَوا على الماء ؛وهو أبلغ من فلق البحر لبني إسرائيل ،ومشيهم على الأرض اليابسة ..
. 4من فوائد الآية: أن الآل يدخل فيهم من ينتسبون إليهم ؛فقد قال تعالى:{وأغرقنا آل فرعون}؛وفرعون قد غرق بلا شك ،كما قال تعالى:{حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} [ يونس: 90] الآيتين ..
. 5ومنها: أن إغراق عدو الإنسان وهو ينظر من نعمة الله عليه ؛فإغراقه ،أو إهلاكه نعمة ؛وكون عدوه ينظر إليه نعمة أخرى ؛لأنه يشفي صدره ؛وإهلاك العدو بيد عدوه أشفى ،كما قال تعالى:{قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم} [ التوبة: 14 ،15]؛نعم ،عند عجز الناس لا يبقى إلا فعل الله عزّ وجلّ ؛ولهذا في غزوة الأحزاب نُصروا بالريح التي أرسلها الله عزّ وجلّ ،كما قال تعالى:{فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها} [ الأحزاب: 9] ..
. 6ومن فوائد الآية: عتوّ بني إسرائيل ؛فإن بني إسرائيل مع هذه النعم العظيمة كانوا من أشد الناس طغياناً ،وتكذيباً للرسل ،واستكباراً عن عبادة الله عزّ وجلّ ..
. 7ومنها: أن الله تعالى سخِر من فرعون ،حيث أهلكه بجنس ما كان يفتخر به ،وأورث أرضه موسى .عليه الصلاة والسلام ؛وقد كان فرعون يقول:{يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون * أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين} [ الزخرف: 51 .52]؛فأغرقه الله تعالى بالماء الذي كان يفتخر بجنسه ،وأورث موسى أرضه الذي وصفه بأنه مهين ،ولا يكاد يبين ..