)وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) ( البقرة:49 )
التفسير:
قوله تعالى:{وإذ نجيناكم من آل فرعون} أي واذكروا إذ أنقذناكم من آل فرعون ؛والمراد ب{آل فرعون} جماعة فرعون ،ويدخل فيهم فرعون بالأولوية ؛لأنه هو المسلِّط لهم على بني إسرائيل ..
وكان بنو إسرائيل مستضعفين في مصر ،وسُلِّط عليهم الفراعنة حتى كانوا كما قال الله تعالى:{يسومونكم سوء العذاب}؛ومعنى"السوم "في الأصل: الرعي ؛ومنه السائمة .أي الراعية .والمعنى: أنهم لا يرعونكم إلا بهذا البلاء العظيم و{سوء العذاب} أي سيئه وقبيحه ..
قوله تعالى:{يذبحون أبنائكم}: الفعل مضَعَّف .أي مشدد .للمبالغة ؛لكثرة من يذْبحون ،وعظم ذبحهم ؛هذا وقد جاء في سورة الأعراف:{يقتلون} وهو بمعنى{يذبحون}؛ويحتمل أن يكون مغايراً له ؛فيُحمل على أنهم يقتلون بعضاً بغير الذبح ،ويذبحون بعضاً ؛وعلى كلِّ فالجملة بيان لقوله تعالى:{يسومونكم سوء العذاب} ؛هذا وجاء في سورة إبراهيم:{يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم} بالواو عطفاً على قوله تعالى:{يسومونكم}؛والعطف يقتضي المغايرة ؛فيكون المعنى أنهم جمعوا بين سوم العذاب .وهو التنكيل ،والتعذيب .وبين الذبح ..
قوله تعالى:{ويستحيون نساءكم} أي يستبقون نساءكم ؛لأنه إذا ذهب الرجال ،وبقيت النساء ذلّ الشعب ،وانكسرت شوكته ؛لأن النساء ليس عندهن من يدافع ،ويبقين خدماً لآل فرعون ؛وهذا .والعياذ بالله .من أعظم ما يكون من الإذلال ؛ومع هذا أنجاهم الله تعالى من آل فرعون ،وأورثهم ديار آل فرعون ،كما قال تعالى:{فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك وأورثناها بني إسرائيل} [ الشعراء: 57 .59] وقال تعالى:{كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوماً آخرين} [ الدخان: 25 .28] .وهم بنو إسرائيل ...
قوله تعالى:{وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} أي وفي إنجائكم من آل فرعون ابتلاء من الله عزّ وجل عظيم .أي اختبار عظيم .؛ليعلم من يشكر منكم ،ومن لا يشكر ..
الفوائد:
. 1من فوائد الآية: تذكير الله تعالى لبني إسرائيل نعمته عليهم بإنجائهم من آل فرعون ..
. 2ومنها: أن الإنجاء من العدو نعمة كبيرة ينعم الله بها على العبد ؛ولهذا ذكرهم الله بها في قوله تعالى: ( نجيناكم )
. 3 ومنها: بيان حنق آل فرعون على بني إسرائيل ؛وقيل: إن هذا التقتيل كان بعد بعثة موسى ؛لأن فرعون لما جاءه موسى بالبينات قال:{اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم} [ غافر: 25] ،وقال في سورة الأعراف:{سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون} ( الأعراف: 127 )
وذكر بعض المؤرخين أن هذا التقتيل كان قبل بعثة موسى ،أو قبل ولادته ؛لأن الكهنة ذكروا لفرعون أنه سيولد لبني إسرائيل ولد يكون هلاكك على يده ؛فجعل يقتلهم ؛وعضدوا هذا القول بما أوحى الله تعالى إلى أم موسى:{أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني} [ القصص: 7]؛لكن هذه الآية ليست صريحة فيما ذكروا ؛لأنها قد تخاف عليه إما من هذا الفعل العام الذي يقتَّل به الأبناء ،أو بسبب آخر ،وآية الأعراف:{قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} [ الأعراف: 129] لا دليل فيها صراحة على أن التقتيل كان قبل ولادة موسى عليه السلام ؛لأن الإيذاء لا يدل على القتل ،ولأن فرعون لم يقل: سنقتل أبناءهم ،ونستحيي نساءهم إلا بعد أن أُرسل إليه موسى عليه السلام ،ولهذا قال موسى عليه السلام لقومه بعد ذلك:{استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} ( الأعراف: 128 )
. 4ومنها: أن الرب سبحانه وتعالى له مطلق التصرف في عباده بما يسوؤهم ،أو يسرهم ؛لقوله تعالى:{من ربكم} يعني هذا العذاب الذي سامكم إياه آل فرعون ،والإنقاذ منه ؛كله من الله عزّ وجلّ ؛فهو الذي بيده الخير ،ومنه كل شيء ،وبيده ملكوت كل شيء ..