)وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) ( البقرة:48 )
التفسير:
قوله تعالى:{واتقوا يوماً} أي اتخذوا وقاية من هذا اليوم بالاستعداد له بطاعة الله ..
قوله تعالى:{لا تجزي نفس عن نفس شيئاً} أي لا تغني ؛و{نفس} نكرة في سياق النفي ،فيكون عاماً ؛فلا تجزي ،ولا تغني نفس عن نفس أبداً .حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يغني شيئاً عن أبيه ،ولا أمه .؛وقد نادىصلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين ؛فجعل ينادي كل واحد باسمه ،ويقول:"يا صفية عمة رسول الله ،لا أغني عنك من الله شيئاً ؛يا فاطمة بنت رسول الله ،لا أغني عنك شيئاً ..."{[92]} .مع أن العادة أن الإنسان يدافع عن حريمه ،وعن نسائه .؛لكن في يوم القيامة ليست هناك مدافعة ؛بل قال الله تعالى:{فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} [ المؤمنون: 101]: تزول الأنساب ،وينسى الإنسان كل شيء ،ولا يسأل أين ولدي ،ولا أين ذهب أبي ،ولا أين ذهب أخي ،ولا أين ذهبت أمي:{لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} [ عبس: 37] ..
قوله تعالى:{ولا يقبل منها شفاعة} أي لا يقبل من نفس عن نفس شفاعة ؛و"الشفاعة "هي التوسط للغير بجلب منفعة ،أو دفع مضرة ؛فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة{[93]}: من جلب المنفعة ؛وشفاعته فيمن استحق النار ألا يدخلها{[94]} ،وفيمن دخلها أن يخرج منها{[95]}: من دفع المضرة ؛فيومَ القيامة لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ،ولا يقبل من نفس عن نفس شفاعة أبداً ..
قوله تعالى:{ولا يؤخذ منها} أي من النفس ؛{عدل} أي بديل يعدل به عن الجزاء ؛و"العدل "بمعنى المعادِل المكافئ ؛ففي الدنيا قد تجب العقوبة على شخص ،ويفتدي نفسه ببدل ؛لكن في الآخرة لا يمكن ..
قوله تعالى:{ولا هم ينصرون} أي لا أحد ينصرهم .أي يمنعهم من عذاب الله .؛لأن الذي يخفف العذاب واحد من هذه الأمور الثلاثة: إما شفاعة ؛وإما معادلة ؛وإما نصر ..
الفوائد:
. 1من فوائد الآية: التحذير من يوم القيامة ؛وهذا يقع في القرآن كثيراً ؛لقوله تعالى:{واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} ،وقوله تعالى:{يوماً يجعل الولدان شيباً} [ المزمل: 17] ..
. 2ومنها: أنه في يوم القيامة لا تجزي نفس عن نفس شيئاً .بخلاف الدنيا .: فإنه قد يجزي أحد عن أحد ؛لكن يوم القيامة: لا ..
. 3ومنها: أن الشفاعة لا تنفع يوم القيامة ؛والمراد لا تنفع من لا يستحق أن يشفع له ؛وأما من يستحق فقد دلت النصوص المتواترة على ثبوت الشفاعة .وهي معروفة في مظانها من كتب الحديث ،والعقائد ...
. 4ومنها: أن يوم القيامة ليس فيه فداء ؛لا يمكن أن يقدم الإنسان فداءً يعدل به ؛لقوله تعالى: ( ولا عدل )
. 5ومنها: أنه لا أحد يُنصر يوم القيامة إذا كان من العصاة ؛ولهذا قال الله تعالى:{ما لكم لا تناصرون * بل هم اليوم مستسلمون} [ الصافات: 25 ،26]؛فلا أحد ينصر أحداً يوم القيامة .لا الآلهة ،ولا الأسياد ،ولا الأشراف ،ولا غيرهم ...