قوله تعالى ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا )
فسر الطبري هذه الآية بقوله:واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تغني عنها غنى .
ثم استدل بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأزدي قالا ، حدثنا المحاربي ، عن أبي خالد الدالاني يزيد بن أبي أنيسة ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رحم الله عبدا كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض –قال أبو كريب في حديثه:أو مال ، أو جاه-فاستحله قبل ان يؤخذ منه ، وليس ثم دينار ولا درهم ، فإن كانت له حسنات أخذوا من حسناته ، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيئاتهم ".
وأخرجه أيضا من طريق مالك عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه ، ومن طريق مالك أخرجه البخاري . ( فتح الباري- الرقاق ، ب القصاص يوم القيامة 6534 ) .
وقال تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا )لقمان:33 .
قال ابن كثير بعد أن ذكر هذه الآية:فهذا أبلغ المقامات أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا .
وقال الطبري أيضا:حدثني موسى بن سهل الرملي ، حدثنا نعيم بن حماد قال ، حدثنا عبد العزيز الدراوردي ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم وعليه دين ، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم ، إنما يقتسمون الحسنات والسيئات . وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يمينا وشمالا ".
( وصحح إسناده الأستاذ أحمد شاكر والصواب ان إسناده حسن لأن الدراوردي صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ . قال النسائي:حديثه عن عبيد الله العمري منكر . ونعيم بن حماد صدوق يخطئ كثيرا وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه وقال:باقي حديثه مستقيم . ولم يذكر ابن عدي هذا الحديث من أخطائه( الكامل ص 2482-2485 ) . وباقي رجاله ثقات والحديث السابق شاهد له وعلى هذا فالإسناد حسن .
قوله تعالى ( ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون )
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ( ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ) لو جاءت بكل شئ لم يقبل منها .
وإسنادهصحيح .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله ( ولا يؤخذ منها عدل يعني فداء .
ثم قال:وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن انس نحو ذلك .
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية:ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقا يوم القيامة . ولكنه بين في مواضع أخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار ، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السموات والأرض . أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع . فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) الأنبياء:28 . وقد قال ( ولا يرضى لعباده الكفر ) الزمر:7 . وقال تعالى عنهم مقررا له ( فما لنا من شافعين )الشعراء:100 . وقال ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) المدثر:48 .إلى غير ذلك من الآيات . وقال في الشفاعة بدون إذنه( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) البقرة:255 . وقال ( وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد ان يأذن الله لمن يشاء ويرضى )النجم:26 . وقال ( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ) طه:109 . إلى غير ذلك من الآيات وادعاء شفعاء عند الله للكفار أو بغير إذنه ، من أنواع الكفر به جل وعلا . كما صرح بذلك قوله ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون )يونس:18 .
وقال الألوسي عند قوله تعالى ( ولا يقبل منها شفاعة ) إن النفي مخصص بما قبل الإذن لقوله تعالى ( لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن ) طه:109 .
( روح المعاني1/252 ) .