ولقد أخذ بعد ذلك سبحانه يذكر موجبات التفضيل وغايته فقال تعالى:{ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون} .
{ واتقوا} أي اجعلوا لكم وقاية تقيكم عذاب يوم شديد الهول ، فيه العذاب الشديد ولا ينفع نفسا إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل وهو يوم القيامة ، وقال سبحانه:{ يوما} بالتنكير لتذهب النفس مذاهب شتى في تصوير هوله ، والإبهام وحده يوجد رهبة ، ويشعر بالتهويل وبأنه لا يحد عذابه وصف ، ولا هوله ذكر ، وإن ذلك اليوم الذي اتقاؤه بالعمل الصالح والقيام بالحقوق التي للغير ، وأداء الواجبات التي عليه ، يتقدم فيه الإنسان منفردا إلا من عمله ، لا يجزيه إلا عمله إن خيرا فخير ، ولا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ، أي لا يجزي عمل النفس عن نفس شيئا من الجزاء ، فيقدر في قوله لا تجزي نفس عن نفس أي عمل نفس عن نفس أخرى أو نقول تجزي بمعنى تقضي ، أي لا تقضي نفس عن أخرى أي شيء قل أو جل ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وكل امرئ بما كسب رهين .
وعقب سبحانه وتعالى بما يؤكد أن النفس لا يجزى عنها غيرها ، وأنه لا منفعة إلا من عملها فقال تعالى:{ ولا يقبل منها شفاعة} والشفاعة من الشفع ، والشافع يضم قوته إلى من يشفع فيه ، فلا يقبل الله تعالى شفاعة من أحد لأحد ، إنما العمل وحده هو الذي ينفع كما قال تعالى:{ فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( 48 )} [ المدثر] وإذا كان للأنبياء شفاعة فبأمر الله تعالى وحده{ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ( 28 )} [ الأنبياء]{ ولا يؤخذ منها عدل} أي لا يؤخذ منها بدل ، فالعدل البدل ، فلا ينجيهم من عذابي شفاعة ولا فدية من العذاب ببدل يدفع ،{ ولا هم ينصرون} لأنه لا ناصر إلا الله ، لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار .