ذكر الله تعالى بعد ذلك بني إسرائيل بنعمه عليهم ، فقال تعالى:{ يا بني إسرائيل اذكوا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} .
تكلمنا في ماضي قولنا في معنى النداء بيا بني إسرائيل ، وأشرنا إلى النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل ، وقد ذكر نعمة لم يذكرها سبحانه وتعالى فيما مضى من قوله الحكيم ، وهو أنه سبحانه وتعالى فضلهم على العالمين ، والعالمون جمع عالم كما ذكر من قبل ، ويراد أهل العقل والتفكير في هذه الأرض .
والتفضيل ليس تفضيل ذواتهم على غيرهم كما توهموا هم ، ودلاهم غرورهم ، فزعموا أنهم صنف الله المختار ، ودلوا على الناس بذلك بل دلوا على الله تعالى وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، وأكلوا الحقوق ، وعاملوا غيرهم بكل أمر ليس فيه خلق ولا دين ، وقالوا ليس علينا في الأميين سبيل .
ليس التفضيل لذواتهم إنما الفضل الذي اختصهم الله تعالى به في جيلهم أنه جيل فيهم أنبياء ، ودعاهم أولئك الأنبياء إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ، فقد كانوا موحدين كما دعاهم موسى ومن جاء بعده من الأنبياء في وسط وثنيين ، فكان كل من حولهم وثنيين ؛ فالمصريون وثنيون يعبدون الشمس ومن دونها ، والفرس يعبدون النيران ، والروم يعبدون الأوثان ، واليونان من قبلهم على شاكلتهم ، والبابليون يعبدون الكواكب ، وهكذا كان جيلهم الأول جيل موسى ، وحين نزول التوراة على موسى .
اختارهم الله تعالى أن يكونوا قوم موسى وأن يكون التوحيد فيهم ، وكان مقامهم يمكنهم من أن يدعوا إلى التوحيد ؛ لأنهم كان مقامهم في وسط تلك الأراضي التي كان يسكنها الوثنيون .
وإن ذلك التفضيل نعمة أنعم الله تعالى بها عليهم ، وأنها توجب شكرا ، وتحملهم تكليفا ، أما الشكر فلأن شكر النعم واجب بحكم العقل ، وبحكم التكليف الإلهي وقد كفروا بأنعم الله تعالى ، وأما التكليف الذي حملوه فهو الدعوة إلى الوحدانية ولم يقوموا بحقها ، بل إنهم اعتبروا اليهودية جنسا ، ومن دخل معهم في ديانة موسى عليه السلام من غيرهم كالسامرة لم يعترفوا به ، وبذلك ضلوا ضلالا بعيدا .