/م47
فقوله تعالى{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} مؤكد لمثله في الآية 39 وتمهيد لما عطفه عليه من تفصيل الإجمال في الآية وما بعدها من الآيات ، وما اقترن به من بيان كفرهم للنعم ، وما تخللها من المواعظ والحجج ، وأوله وأعلاه قوله{ وأني فضلتكم على العالمين} أي أعطيتكم من الفضل – وهو الزيادة فيما يحسن – ما لم أعط غيركم من الشعوب حتى ذات المزايا الدنيوية كالمصريين وسكان البلاد المقدسة .
قال الأستاذ الإمام ما معناه:ناداهم باسم أبيهم الذي هو أصل عزمهم وسؤددهم ومنشأ تفضيلهم ، وأسند النعمة إليهم جميعا إليه وحده لأن النعمة عمتهم والتفضيل شملهم ، ثم طفق يفصل النعمة التي ذكرها مجملة فيما سبق بذكر أمهات أنواعها فذكر تفضيلهم على العالمين بمحض كرمه وفضله ، فإن بني إسرائيل كغيرهم من البشر .والتفضيل هو مناط الأخذ بالفضائل وترك الرذائل ، لأن الذي يرى نفسه رذلا خسيسا ، لا يبالي ما يفعل .ومن يرى نفسه مفضلا مكرما ، فإنه يرتفع عن الدنايا والخسائس التي تدنس شرفه وتذهب بفضله .والحكمة في التذكير بالتفضيل:أن يتذكروا أن الذي فضلهم له أن يفضل غيرهم كمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، وتنبيههم إلى عدم الذهول عن أنفسهم ليذكرها عند أمر الناس بالبر ، ويعلموا أنهم أولى بأن يبروا ممن يأمرونهم بالبر ، لأنهم يتلون الكتاب الداعي إليه وهو آية تفضيلهم .وإلى أنهم أحق باستعمال الفكر في الآيات التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم وأجدر من جميع الشعوب بالإيمان به ، فإن المفضل أولى بالسبق إلى الفضائل ممن فضل هو عليه .
ثم إن الفضل على العالمين إن كان بكثرة الأنبياء فيهم فهو ظاهر على عمومه لأنه لا يعرف شعب من الشعوب يزاحمهم في هذه المزية .ولا تقتضي هذه الفضيلة بأن يكون كل فرد منهم أفضل من كل فرد من غيرهم ، ولا تنافي أن يفضلهم أخس الشعوب – بله غيره – إذا هم انحرفوا عن هدى أنبيائهم وتركوا سنتهم واهتدى إليها ذلك الشعب الذي كان فضولا .وإن كان المراد من لتفضيل هو القرب من الله تعالى بمرضاته ، فلا بد من تخصيصه بأولئك الأنبياء والمهتدين بهم من أهل زمانهم والتابعين لهم فيه ، ومن تقييده بمدة الاستقامة على العمل الذي استحقوا به التفضيل .