وقد ذكر سبحانه أثر الخشوع في القلب والعقل والنفس ، فقال تعالى:{ الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون} .
عرف الله سبحانه وتعالى الخاشعين بأخص صفات المؤمن ، وهو الإيمان بالغيب ، لأنه فرق بين الإيمان والإسلام والزندقة ، وإن أبلغ الإيمان بالغيب تأثيرا في النفس الخاشعة الإيمان بلقاء الله تعالى الذي يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بجزاء ما يعمل ، ولذلك ذكر إيمان الخاشعين بلقاء الله تعالى فقال تبارك وتعالى:{ الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} الظن يطلق بمعنى العلم الراجح ، ومن ذلك قوله تعالى:{ إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ( 32 )} [ الجاثية] ويستعمل الظن بمعنى اليقين:{ ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ( 53 )} [ الكهف] ، وقوله تعالى:{ إني ظننت أني ملاق حسابيه ( 20 )} [ الحاقة] .
والظن بمعنى العلم اليقيني ، ولكن التعبير عن العلم بالظن يفيد مع اليقين توقع الأمر المعلوم ، فمعنى{ الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} ، أنهم يتوقعون هذا اللقاء وقتا بعد آخر ، فهم يؤمنون إيمانا صادقا بلقاء الله ، ويترقبون ذلك اللقاء ، وينتظرونه متوقعين له ، فيقينهم يقين المتوقع المترقب ، فيكون في قلوبهم دائما ويستعدون له بعمل صالح يقدمونه رجاء أن يغفر لهم وأن يتغمدهم برحمته ، ويكفر عنهم سيئاتهم .
والتعبير ب{ ربهم} فيه شعور بنعمه تعالى عليهم ، لأنه هو الذي رباهم وأنشأهم وتعهدهم في الوجود ، كما يتعهد المزارع زرعه بالسقي والإصلاح .
ويؤمنون مستيقنين متوقعين أنهم إليه وحده راجعون ، وتقديم{ إليه} للدلالة على أنه وحده الذي يرجعون إليه ويجزيهم بالإحسان إحسانا وأنه الغفور الرحيم .
هذا الذي مضى من القول الكريم من قوله تعالى:{ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} خطاب لبني إسرائيل الحاضرين منهم والماضين باعتباره واقعا منهم في حاضرهم وماضيهم ، وهو يصلح خطابا لبني إسرائيل وغيرهم لما فيه من توجيه وتهذيب وإصلاح بين الناس ، وبه تستقيم أمورهم في معاشهم ومعادهم .