وقوله تعالى:( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ) هذا من تمام الكلام الذي قبله ، أي:وإن الصلاة أو الوصاة لثقيلة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ، أي:[ يعلمون أنهم] محشورون إليه يوم القيامة ، معروضون عليه ، وأنهم إليه راجعون ، أي:أمورهم راجعة إلى مشيئته ، يحكم فيها ما يشاء بعدله ، فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سهل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات .
فأما قوله:( يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال ابن جرير ، رحمه الله:العرب قد تسمي اليقين ظنا ، والشك ظنا ، نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضياء سدفة ، والمغيث صارخا ، والمستغيث صارخا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده ، كما قال دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
يعني بذلك:تيقنوا بألفي مدجج يأتيكم ، وقال عميرة بن طارق:
بأن يعتزوا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجما
يعني:وأجعل مني اليقين غيبا مرجما ، قال:والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصر ، وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية ، ومنه قول الله تعالى:( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ) [ الكهف:53] .
ثم قال ابن جرير:حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال:كل ظن في القرآن يقين ، أي:ظننت وظنوا .
وحدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال:كل ظن في القرآن فهو علم . وهذا سند صحيح .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى:( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال:الظن هاهنا يقين .
قال ابن أبي حاتم:وروي عن مجاهد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة نحو قول أبي العالية .
وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج:( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) علموا أنهم ملاقو ربهم ، كقوله:( إني ظننت أني ملاق حسابيه ) [ الحاقة:20] يقول:علمت .
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
قلت:وفي الصحيح:أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة:ألم أزوجك ، ألم أكرمك ، ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول:بلى . فيقول الله تعالى:أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول:لا . فيقول الله:اليوم أنساك كما نسيتني . وسيأتي مبسوطا عند قوله:( نسوا الله فنسيهم ) [ التوبة:67] إن شاء الله ، والله تعالى أعلم .