وقد وصف تعالى الخاشعين بأنهم الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون وهي صلة لها مزيد اتصال بمعنى الخشوع ففيها معنى التفسير للخاشعين ومعنى بيان منشأ خشوعهم ،فدل على أن المراد من الظن هنا الاعتقاد الجازم وإطلاق الظن في كلام العرب على معنى اليقين كثير جداً ،قال أوس بن حجر يصف صياداً رمى حمار وحش بسهم{[120]}:
فأرسله مستيقن الظن أنه *** مخالطُ ما بين الشرا سيف جائف
وقال دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّج *** سراتهم بالفارسي المسرج
فهو مشترك بين الاعتقاد الجازم وبين الاعتقاد الراجح .
والملاقاة والرجوع هنا مجازان عن الحساب والحشر أو عن الرؤية والثواب ؛لأن حقيقة اللقاء- وهو تقارب الجسمين ،وحقيقة الرجوع وهو الانتهاء إلى مكان خرج منه المنتهى- مستحيلة هنا .والمقصود من قوله:{ وإنها لكبيرة} إلخ التعريض بالثناء على المسلمين ،وتحريض بني إسرائيل على التهمم بالاقتداء بالمؤمنين وعلى جعل الخطاب في قوله:{ واستعينوا} للمسلمين يكون قوله:{ وإنها لكبيرة} تعريضاً بغيرهم من اليهود والمنافقين .
والملاقاة مفاعلة من لقي ،واللقاء الحضور كما تقدم في قوله:{ فتلقى آدم من ربه كلمات}[ البقرة: 36] والمراد هنا الحضور بين يدي الله للحساب أي الذين يؤمنون بالبعث ،وسيأتي تفصيل لها عند قوله تعالى{ واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه}[ البقرة: 222] في هذه السورة ،وفي سورة الأنعام ( 31 ) عند قوله تعالى:{ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله .}