الآية التالية ترفض أوهام اليهود ،التي كانوا يتصورون بموجبها أن الأنبياء من أسلافها سوف يشفعون لهم ،أو أنّهم قادرون على دفع فدية وبدل عن ذنوبهم ،كدفعهم الرشوة في هذه الحياة الدنيا .
القرآن يخاطبهم ويقول: ( وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً .وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ .وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُم يُنْصَرُونَ ) .
الحاكم أو القاضي في تلك المحكمة الإِلهية ،لا يقبل سوى العمل الصالح ،كما تقول الآية الكريمة: ( يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْب سَلِيم )( الشعراء ،88 و 89 ) .
إنّ الآية المذكورة من سورة البقرة ،تشير في الواقع إلى ما يجري من محاولات في هذه الحياة الدنيا لإنقاذ المذنب من العقاب .
ففي الحياة الدنيا قد يتقدم إنسان لدفع غرامة عن إنسان مذنب لإنقاذه من العقاب ،أما في الآخرة فإنّه: ( لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس ) .
وربّما يلجأ المذنب في هذه الحياة إلى الشفعاء لينقذوه ممّا ينتظره من الجزاء ،ويوم القيامة (...لا يقبل منها شفاعة ) .
وإذا لم تُوجد الشفاعة ،يتقدم الإِنسان في الحياة الدنيا بدفع ( العدل ) وهو بدل الشيء من جنسه ،أما في الآخرة ف ( لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) .
وإذا لم تنفع الوسائل المذكورة كلها ،يستصرخ أصحابه لينصروه ويخلصوه من الجزاء ،وفي الآخرة لا يقوم بنجاتهم أحد ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) .
القرآن الكريم يؤكد أن الأصول الحاكمة على قوانين الجزاء يوم القيامة تختلف كليّاً عمّا هو السائد في هذه الحياة ،فالسبيل الوحيد للنجاة يوم القيامة ،هو الإِيمان والتقوى والاستعانة بلطف الباري تعالى .
تاريخ الشرك وتاريخ المنحرفين من أهل الكتاب ،مليء بأفكار خرافية تدور حول محور التوسل وبمثل الأمور التي ذكرتها الآية الكريمة للفرار من العقاب الأخروي .صاحب المنار يذكر مثلا ،أن النّاس في بعض مناطق مصركانوا يدفعون مبلغاً من المال إلى الذي يتعهد غسل الميت ،ويسمون هذا المبلغ أُجرة الإِنتقال إلى الجنّة{[127]} .
وفي تاريخ اليهود نقرأ أنهم كانوا يقدمون القرابين للتكفير عن ذنوبهم ،وإن لم يجدوا قرباناً كبيراً يكتفون بتقديم زوج من الحمام .{[128]}
وفي التاريخ القديم كانت بعض الأقوام تدفن مع الميت حليّه وأسلحته ،ليستفيد منها في الحياة الأخرى{[129]} .
/خ48