ولقد بين الله سبحانه وتعالى كيف نجاهم بقدرته الإلهية القاطعة في الدلالة على إخراجهم من ظلمات القهر والطغيان إلى نور العدالة والإيمان ، فقال تعالى:{ وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} والمعنى اذكروا ذلك الوقت الذي فرقنا أي أوجدنا شقا طويلا في البحر من ساحل مصر إلى ساحل سيناء ، وقد كان متصل الأجزاء ، وسطحا لا فرقة فيه ولا انشقاق فسرتم فيه كأن الماء قد افترق على قدر حاجتكم ، وسرتم فيه آمنين مطمئنين وسار وراءكم الذين عذبوكم ، ودبروا السوء لكم ، وذبحوا أبناءكم واستحيوا نساءكم لأهوائهم وهم آل فرعون الذين ناصروه وأيدوه ، وقد ازدلفوا من ورائكم فأغرقهم وأنتم تنظرون إلى تدبير الله تعالى ، وإعجازه ، وأنتم ترونه رأي العين لا بالخبر والسماع .
وقد فصل الله سبحانه وتعالى تلك النجاة وذلك الإغراق وما أحاط بهما بعض التفصيل ، فقال تعالت كلماته في سورة الشعراء:{ وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون ( 52 ) فأرسل فرعون في المدائن حاشرين ( 53 ) إن هؤلاء لشرذمة قليلون ( 54 ) وإنهم لنا لغائظون ( 55 ) وإنا لجميع حاذرون ( 56 ) فأخرجناهم من جنات وعيون ( 57 ) وكنوز ومقام كريم ( 58 ) كذلك وأورثناها بني إسرائيل ( 59 ) فأتبعوهم مشرقين ( 60 ) فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ( 61 ) قال كلا إن معي ربي سيهدين ( 62 ) فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ( 63 ) وأزلفنا ثم الآخرين ( 64 ) وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ( 65 ) ثم أغرقنا الآخرين ( 66 ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ( 67 ) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( 68 )} [ الشعراء] .
نجا بنو إسرائيل ، وظهرت آيتان إحداهما أن موسى عليه السلام ضرب البحر بعصاه ، فانشق وانفلق ، وكان كل فرق من أقسامه ، كأنه الجبل العظيم من الماء . والثانية أن هذا كان على قدر مسير بني إسرائيل بقيادة موسى عليه السلام وظن فرعون وآله أن الطريق مفتوح لهم ، كما فتح لبني إسرائيل فساروا وراءهم فانطبق البحر عليهم وكانوا مغرقين .
كانت هذه النجاة بمعجزة من الله تعالى كافية لإيمان الكافر حتى إن فرعون قال آمنت بالذي آمن به بنو إسرائيل وإن كان لم ينفعه إيمانه كما قال تعالى:{ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ( 90 ) الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ( 91 ) فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ( 92 )} [ يونس] نزل بنو إسرائيل أرض سيناء التي انبعث فيها نور الرسالة الموسوية .
وكان حقا أن يكونوا أول المؤمنين ولكن الله أخبر أنه لم يكن أكثرهم مؤمنين مع هذه المعجزات الحسية الباهرة