)وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) ( البقرة:60 )
التفسير:
قوله تعالى:{وإذا استسقى موسى لقومه} أي: واذكر إذ استسقى موسى لقومه .أي طلب السقيا لهم ؛وهذا يعم كونهم في التيه ،وغيره ..
قوله تعالى:{فقلنا اضرب بعصاك الحجر}:"العصا "معروفة ؛و{الحجر}: المراد به الجنس ؛فيشمل أيّ حجر يكون ؛وهذا أبلغ من القول بأنه حجر معين ؛وهذه"العصا "كان فيها أربع آيات عظيمة: .
أولاً: أنه يلقيها ،فتكون حية تسعى ،ثم يأخذها ،فتعود عصا ..
ثانياً: أنه يضرب بها الحجر ،فينفجر عيوناً ..
ثالثاً: أنه ضرب بها البحر ،فانفلق ؛فكان كل فرق كالطود العظيم ..
رابعاً: أنه ألقاها حين اجتمع إليه السحرة ،وألقوا حبالهم ،وعصيهم ،فألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون ..
قوله تعالى:{فانفجرت منه}؛ "الانفجار ": الانفتاح ،والانشقاق ؛ومنه سمي"الفجر "؛لأنه ينشق به الأفق ؛فمعنى{انفجرت} أي تشققت منه هذه العيون ..
قوله تعالى:{اثنتا عشرة عيناً}؛{عيناً}: تمييز ؛وكانت العيون اثنتي عشرة ؛لأن بني إسرائيل كانوا اثنتي عشرة أسباطاً ؛لكل سبط واحدة ..
قوله تعالى:{قد علم كل أناس} أي من الأسباط{مشربهم} أي مكان شربهم ،وزمانه حتى لا يختلط بعضهم ببعض ،ويضايق بعضهم بعضاً ..
وهذه من نعمة الله على بني إسرائيل ؛وهي من نعمة الله على موسى ؛أما كونها نعمة على موسى فلأنها آية دالة على رسالته ؛وأما كونها نعمة على بني إسرائيل فلأنها مزيلة لعطشهم ،ولظمئهم ..
قوله تعالى:{كلوا واشربوا} الأمر هنا للإباحة فيما يظهر ؛{من رزق الله} أي من عطائه ،حيث أخرج لكم من الثمار ،ورزقكم من المياه ..
قوله تعالى:{ولا تعثوا في الأرض مفسدين} أي لا تسيروا مفسدين ؛فنهاهم عن الإفساد في الأرض ؛ف "العُثو "،و "العِثي "معناه الإسراع في الإفساد ؛والإفساد في الأرض يكون بالمعاصي ،كما قال الله تعالى:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [ الروم: 41] .
الفوائد:
. 1من فوائد الآية: مشروعية الاستسقاء عند الحاجة إلى الماء ؛لأن موسى استسقى لقومه ؛وشرع من قبلنا شرع لنا إن لم يرد شرعنا بخلافه ؛فكيف وقد أتى بوفاقه ؟!فقد كان النبيصلى الله عليه وسلم يستسقي في خطبة الجمعة{[101]} ،ويستسقي في الصحراء على وجه معلوم{[102]} ..
. 2ومنها: أن السقيا كما تكون بالمطر النازل من السماء تكون في النابع من الأرض ..
. 3ومنها: أن الله سبحانه وتعالى هو الملجأ للخلق ؛فهم إذا مسهم الضر يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى ..
. 4ومنها: أن الرسل .عليهم الصلاة والسلام .كغيرهم في الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى ؛فلا يقال: إن الرسل قادرون على كل شيء ،وأنهم لا يصيبهم السوء ..
. 5ومنها: رأفة موسى بقومه ؛لقوله تعالى:{وإذا استسقى موسى لقومه} ..
. 6ومنها: أن الله سبحانه وتعالى قادر جواد ؛ولهذا أجاب الله تعالى دعاء موسى ؛لأن العاجز لا يسقي ؛والبخيل لا يعطي ..
. 7ومنها: إثبات سمع الله سبحانه وتعالى ،لقوله تعالى:{فقلنا}؛لأن الفاء هنا للسببية ؛يعني: فلما استسقى موسى قلنا ؛فدل على أن الله سمع استسقاء موسى ،فأجابه ..
. 8 .ومنها: كمال قدرة الله عزّ وجلّ ،حيث إن موسى صلى الله عليه وسلم يضرب الحجر اليابس بالعصا ،فيتفجر عيوناً ؛وهذا شيء لم تجر العادة بمثله ؛فهو دليل على قدرة الله عزّ وجلّ ،وأنه ليس كما يزعم الطبائعيون بأنه طبيعة ؛إذ لو كانت الأمور بالطبيعة ما تغيرت ،وبقيت على ما هي عليه ..
. 9ومنها: الآية العظيمة في عصا موسى ،حيث يضرب به الحجر ،فيتفجر عيوناً مع أن الحجر صلب ،ويابس ؛وقد وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم ،حيث أُتي إليه بإناء فيه ماء ،فوضع يده فيه ،فصار يفور من بين أصابعه كالعيون{[103]}؛ووجه كونه أعظم: أنه ليس من عادة الإناء أن يتفجر عيوناً بخلاف الحجارة ؛فقد قال الله تعالى:{وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار} [ البقرة: 74]؛ووجه آخر: أن الإناء منفصل عن الأرض لا صلة له بها بخلاف الحجارة ..
. 10ومنها: حكمة الله سبحانه وتعالى بجعل هذا الماء المتفجر اثنتي عشرة عيناً ؛لفائدتين: .
الفائدة الأولى: السعة على بني إسرائيل ؛لأنه لو كان عيناً واحدة لحصلت مشقة الزحام ..
الفائدة الثانية: الابتعاد عن العداوة ،والبغضاء بينهم ؛لأنهم كانوا اثنتي عشرة أسباطاً ؛فلو كانوا جُمعوا في مكان واحد مع الضيق ،والحاجة إلى الماء لحصل بينهم نزاع شديد ؛وربما يؤدي إلى القتال ؛فهذا من رحمة الله .تبارك وتعالى .ببني إسرائيل ،حيث فجره اثنتي عشرة عيناً ،ولهذا أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه النعمة بقوله:{قد علم كل أناس مشربهم}: كل أناس من بني إسرائيل ..
. 11من فوائد الآية: أن الله سبحانه وتعالى يذكِّر بني إسرائيل بهذه النعم العظيمة لأجل أن يقوموا بالشكر ؛ولهذا قال تعالى: ( كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )
. 12ومنها: أن ما خلق الله تعالى من المأكول ،والمشروب للإنسان فالأصل فيه الإباحة ،والحل ؛لأن الأمر للإباحة ؛فما أخرج الله تعالى لنا من الأرض ،أو أنزل من السماء فالأصل فيه الحل ؛فمن نازع في حل شيء منه فعليه الدليل ؛فالعبادات الأصل فيها الحظر ؛وأما المعاملات ،والانتفاعات بما خلق الله فالأصل فيها الحل ،والإباحة ..
. 13ومنها: تحريم الإفساد في الأرض ؛لقوله تعالى:{ولا تعثوا في الأرض مفسدين}؛والأصل في النهي التحريم ..