{وأن إلى ربك المنتهى} هذه الآية فيها قراءتان: القراءة الأولى فتح الهمزة:{وأن إلى ربك المنتهى} والثانية كسر الهمزة{وإنَّ إلى ربك المنتهى} وكلاهما قراءتان صحيحتان سبعيتان ،إذا قرأ الإنسان بإحداهما صح ،بل الأولى للإنسان الذي يعرف القراءات أن يقرأ بهذه القراءة مرة ،وبهذه القراءة مرة أخرى ،لكن لا يقرأ على ملأ من الناس وسماع منهم ،لأن العامة إذا سمعوك تقرأ على خلاف ما يقرأون فسيحصل بذلك مفسدة ،إما أن يقولوا: إن هذا الرجل لا يعرف القرآن ،وإما أن يتشككوا في القرآن ،حيث يظن العامي أن القرآن يمكن أن يبدل أو يغير ،لذلك ننصح إخواننا الذين أعطاهم الله تعالى علماً في القراءات أن لا يقرأوا إلا بالقراءة المعروفة عند العامة حتى لا يحصل اللبس ،لكن فيما بينك وبين نفسك إذا كنت تدرك القراءة الثانية إدراكاً تامًّا فاقرأ بها أحياناً ؛لأن الكل كلام الله - عز وجل - فإذا كانت بالكسر:{وإنَّ إلى ربك المنتهى} صارت هذه الجملة وما بعدها ليست في{صحف إبراهيم وموسى} بل تكون استئنافية ،وإذا كانت بالفتح صارت الجملة وما بعدها مما جاء في صحف إبراهيم وموسى ،وعلى كلٌّ فهي كلام الله عز وجل .{وأن إلى ربك المنتهى} أي: المنتهى في أمور الدين والدنيا ،فإلى الله المنتهى في مسائل العلم ،فعندما تشكل علينا مسألة من مسائل العلم فننتهي إلى الله ورسوله ،كما قال تعالى:{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً من عنده ،إنما هو من عند الله - عز وجل - فيكون المنتهى إلى الله في الحكم بين الناس وفي الحكم للناس:{إلى ربك المنتهى} أي منتهى الخلائق أيضاً ؛لأن هذا الخلق الموجود الآن سوف يفنى وينتقل إلى خلق آخر ،كما قال الله - عز وجل -:{أفعيينا بالخلق الأَول بل هم في لبس من خلق جديد} والمنتهى على هذا التقدير هو يوم القيامة ،فإلى الله المنتهى ،وإلى الله المصير ،فمنتهى أحوالنا وأحكامنا وجميع ما يصدر منا وعلينا إلى الله - عز وجل - وإذا كان إلى الله المنتهى ،فإلى من تشكو إذا أصابك الضر ؟إلى الله - عز وجل - وإذا أردت النفع فتطلبه من الله عز وجل ،لأنه المنتهى ،وكم من إنسان انعقدت له أسباب الرزق وإذا هو يحرم منها في آخر لحظة ،إذاً لا يجلب لك الخير إلا الله ،ولا يمنع عنك الضرر إلا الله - عز وجل - فاجعله منتهاك في كل أمورك ،