{ووضعنا عنك وزرك} وضعناه أي طرحناه وعفونا وسامحنا وتجاوزنا عنك{وزرك} أي إثمك{الذي أنقض ظهرك} يعني أقضه وآلمه ؛لأن الظهر هو محل الحمل ،فإذا كان هناك حمل يتعب الظهر فإتعاب غيره من باب أولى ،لأن أقوى عضو في أعضائك للحمل هو الظهر ،وانظر للفرق بين أن تحمل كيساً على ظهرك أو تحمله بين يديك بينهما فرق ،فالمعنى أن الله تعالى غفر للنبي صلى الله عليه وسلّم وزره وخطيئته حتى بقي مغفوراً له ،قال الله تبارك وتعالى:{إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر} .[ الفتح: 1 ،2] .وقيل للنبي صلى الله عليه وسلّم وهو يقوم الليل ويطيل القيام حتى تتورم قدماه أو تتفطر قيل له: أتصنع هذا ،وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ،فقال: «أفلا أكون عبداً شكوراً » ،إذاً مغفرة الذنوب المتقدمة والمتأخرة ثابتة بالقرآن والسنة ،وهذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام ،لا أحد من الناس يغفر له ما تقدم وما تأخر إلا الرسول صلى الله عليه وسلّم ،أما غيره فيحتاج إلى توبة من الذنب ،وقد يغفر الله له سبحانه وتعالى بدون توبة ما دون الشرك ،لكن الرسول عليه الصلاة والسلام نجزم بأنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولهذا قال:{ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك} .فإن قال قائل: هذه الآية وما سقناه شاهداً لها يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلّم قد يذنب فهل النبي صلى الله عليه وسلّم يذنب ؟فالجواب: نعم ،ولا يمكن أن نرد النصوص لمجرد أن نستبعد وقوع الذنب منه صلى الله عليه وآله وسلم ،ونحن لا نقول الشأن ألا يذنب الإنسان بل الشأن أن يغفر للإنسان ،هذا هو المهم أن يغفر له ،أما أن لا يقع منه الذنب فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «كل بني آدم خطاء ،وخير الخطائين التوابون » ،لابد من خطيئة لكن هناك أشياء لا يمكن أن تقع من الأنبياء مثل الكذب والخيانة ،فإن هذا لا يمكن أن يقع منهم إطلاقاً ،لأن هذا لو فرض وقوعه لكان طعناً في رسالتهم وهذا شيء مستحيل ،وسفاسف الأخلاق من الزنا وشبهه هذا أيضاً ممتنع ،لأنه ينافي أصل الرسالة ،فالرسالة إنما وجدت لتتميم مكارم الأخلاق كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » ،فالحاصل أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره ،وبين أن هذا الوزر قد أنقض ظهره أي أقضه وأتعبه ،وإذا كان هذا وزر الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف بأوزار غيره ،أوزارنا تقض ظهورنا وتنقضها وتتعبها ،ولكن كأننا لم نحمل شيئاً ،وذلك لضعف إيماننا وبصيرتنا وكثرة غفلتنا ،نسأل الله أن يعاملنا بالعفو ،في بعض الآثار أن المؤمن إذا أذنب ذنباً صار عنده كالجبل فوق رأسه ،وإن المنافق إذا أذنب ذنباً صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا ،يعني أنه لا يهتم ،فالمؤمن تهمه خطاياه وتلحقه الهم حتى يتخلص منها بتوبة واستغفار ،أو حسنات جليلة تمحو آثار هذه السيئة ،وأنت إذا رأيت من قلبك الغفلة عن ذنوبك فاعلم أن قلبك مريض ،لأن القلب الحي لا يمكن أن يرضى بالمرض ،ومرض القلوب هي الذنوب كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها ،
وترك الذنوب حياة القلوبوخير لنفسك عصيانها ،
فيجب علينا أن نهتم بأنفسنا وأن نحاسبها ،وإذا كان التجار لا ينامون حتى يراجعوا دفاتر تجارتهم ،ماذا صرفوا ،وماذا أنفقوا ،وماذا كسبوا ،فإن تجار الآخرة ينبغي أن يكونوا أشد اهتماماً ؛لأن تجارتهم أعظم ،فتجارة أهل الدنيا غاية ما تفيدهم إن أفادتهم هو إتراف البدن فقط ،على أن هذه التجارة يلحقها من الهم والغم ما هو معلوم ،وإذا خسر في سلعة اهتم لذلك ،وإذا كان في بلده مخاوف: قطاع طريق ،أو سراق صار أشد قلقاً ،لكن تجارة الآخرة على العكس من هذا{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم .تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون .يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} [ الصف: 1012] .تنجي من العذاب ،ويغفر الله بها الذنوب ،ويدخل بها الجنات ،جنات عدن أي جنات إقامة ،ومساكن طيبة في جنات عدن ،مساكن طيبة في بنايتها وفي مادة البناء ،كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ،وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما » ،والله لو يبقى الإنسان في سجدة منذ بلغ إلى أن يموت لكان هذا ثمناً قليلاً بالنسبة إلى هذه الغنيمة العظيمة ،ولو لم يكن إلا أن ينجو الإنسان من النار لكفى ،أحياناً الإنسان يفكر يقول: ليتني لم أولد أو يكفيني أن أنجو من النار ،وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ليتني شجرة تعضد ،ليت أمي لم تلدني ،لأن الإنسان يظن أنه آمن لأنه يصلي ،ويصوم ،ويتصدق ،ويحج ويبر الوالدين وما أشبه ذلك ،لكن قد يكون في قلبه حسيكة تؤدي إلى سوء الخاتمة ، والعياذ باللهكما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع » يعني مدة قريبة لموته ما هو إلا ذراع في العمل ؛لأن عمله كله هباء ،هو يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار كما جاء في الحديث الصحيح ،لكن قوله: «حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع » ليس معناه أن عمله أوصله إلى قريب من الجنة ،وإنما المعنى حتى لا يبقى عليه إلا مدة قليلة في الحياة «ثم يعمل بعمل أهل النار فيدخلها » لكن هذا فيما إذا كان عمل الإنسان للناس كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار » ،والإنسان إذا مر على مثل هذه النصوص يخاف على نفسه ،يخاف من الرياء ،يخاف من العجب ،يخاف من الإذلال .
/م1