المفردات:
وضعنا عنك: خفّفنا عنك ،وسهّلنا عليك .
وزرك: حملك الثقيل ،وهو عبء الرسالة والنبوة .
الذي أنقض ظهرك: أثقله حتى سمع له نقيض ( صوت ) والكلام على التمثيل ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل هما معنويا ،فشبه ذلك بمن يحمل حملا ثقيلا فوق ظهره ،ثم خفف الله عليه أعباء النبوة والرسالة التي تثقل الظهر ،من القيام بأمرها ،وأداء واجباتها ،وحطّ الله عنه ثقلها بأن صارت يسيرة له .
2 ،3- ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك .
قيل: إن معنى الآية: غفرنا لك ذنبك الذي أثقل ظهرك ،أي آلمك وجعلك تنوء بحمله ،وتؤنّب نفسك على ارتكابه ،وليس المراد بالذنب الكبائر ،فقد عصم الله الأنبياء من ارتكاب شيء منهيّ عنه ،ولكن المراد منه ارتكاب خلاف الأولى ،مثل أن عبس في وجه عبد الله بن أمّ مكتوم ،حين جاء يلحّ في السؤال وطلب العلم ،وكان صلى الله عليه وسلم مشتغلا بعرض الإسلام على مجموعة أو أفراد من كبار المشركين ،طامعا في إسلامهم .
ومثل أنه أذن لبعض المنافقين بالتخلّف عن الجهاد في غزوة تبوك حين استأذنوه في التخلف .
ومثل أنه قبل الفداء من كفار مكة في أسرى بدر ،وقد كان عن اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ،ولكن الوحي نزل يبين أن ذلك خطأ أو مرجوح لا راجح ،وأن الأولى به صلى الله عليه وسلم أن يختار الوجهة الأخرى التي شرحها القرآن .
والنبي صلى الله عليه وسلم من حقه أن يجتهد ،لأن الله تعالى أعطانا جميعا العقل ،وكلّفنا بالاجتهاد ،لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرّ على خطأ ،أو لا يقر على خلاف الأولى ،وقد ذكر القرآن أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال تعالى: إنّا فتحنا لك فتحا مبينا* ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما* وينصرك الله نصرا عزيزا .( الفتح: 1-3 ) .
قال في التسهيل لعلوم التنزيل: إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثّقل ،وهي صغائر مغفورة لهم ،لهمّهم بها ،وتحسّرهم عليها ،فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله ،وهذا كما ورد في الأثر: ( إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه ،والمنافق يرى ذنوبه كالذبابة تطير فوق أنفه )iii .
وذهب كثير من المفسرينiv إلى أن معنى قوله تعالى: ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك .أي: يسّرنا عليك أعباء النبوة والرسالة ،وبيّنّا لك طريق تبليغ الدعوة ،ويسّرنا عليك تحمل الأعباء في دعوة قوم يصرّون على عبادة الأوثان والأصنام ،ويتهمونك بأنك شاعر أو كاهن أو مجنون ،ذلك أن المقام مقام تعديد النعم التي أنعم الله تعالى بها على رسوله صلى الله عليه وسلم .
وكان صلى الله عليه وسلم قد مكث في مكة فترة مؤلمة في بداية الدعوة ،تعرض فيها هو وأصحابه للأذى الحسي والمعنوي ،ووقفت قريش حجر عثرة في طريق الدعوة ،بيد أن الله أمدّ رسوله بالعزيمة والهمة والقوة والصبر ،فكان آية في هذا المجال .
وحين عرض عليه أهل مكة عروضا منها المال أو الجاه أو الرئاسة أو العلاج من أثر الجن ،ووسّطوا عمه أبا طالب ليعرض عليه ذلك ،قال صلى الله عليه وسلم: ( والله يا عمّ ،لو وضعوا الشمس في يميني ،والقمر في يساري ،على أن أترك هذا الأمر ما تركته ،حتى يظهره الله أو تنفرد مني هذه السالفة ) .
قال الأستاذ أحمد المراغي في تفسيره:
ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك .
أي: حططنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الرسالة حتى تبلّغها ،فجعلنا التبليغ عليك سهلا ،ونفسك به مطمئنة راضية ،ولو قوبلت بالإساءة ممن أرسلت إليهم . v .