قوله:{فإن مع العسر يسراً .إن مع العسر يسراً} هذا بشارة من الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولسائر الأمة ،وجرى على الرسول عليه الصلاة والسلام عسر حينما كان بمكة يضيق عليه ،وفي الطائف ،وكذلك أيضاً في المدينة من المنافقين فالله يقول:{فإن مع العسر يسراً} يعني كما شرحنا لك صدرك ،ووضعنا عنك وزرك ،ورفعنا لك ذكرك ،وهذه نعم عظيمة كذلك هذا العسر الذي يصيبك لابد أن يكون له يسر{فإن مع العسر يسراً .إن مع العسر يسراً} قال ابن عباس عند هذه الاية: «لن يغلب عسٌر يسرين » ،وتوجيه كلامهرضي الله عنهمع أن العسر ذكر مرتين واليسر ذكر مرتين .قال أهل البلاغة: توجيه كلامه أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة{فإن مع العسر يسراً .إن مع العسر يسراً} العسر الأول أعيد في الثانية بال ،ف( ال ) هنا للعهد الذكري ،وأما يسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً ،والقاعدة: أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التعريف فالثاني هو الأول إلا ما ندر ،وإذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير فالثاني غير الأول ،لأن الثاني نكرة ،فهو غير الأول ،إذاً في الآيتين الكريمتين يسران وفيهما عسر واحد ،لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف{فإن مع العسر يسراً} هذا الكلام خبر من الله عز وجل ،وخبره جل وعلا أكمل الأخبار صدقاً ،ووعده لا يخلف ،فكلما تعسر عليك الأمر فانتظر التيسير ،أما في الأمور الشرعية فظاهر ،ففي الصلاة: صل قائماً ،فإن لم تستطع فقاعداً ،فإن لم تستطع فعلى جنب ،فهذا تيسير ،إذا شق عليك القيام اجلس ،إن شق عليك الجلوس صل وأنت على جنبك ،وفي الصيام إن قدرت وأنت في الحضر فصم ،وإن لم تقدر فأفطر ،إذا كنت مسافراً فأفطر ،في الحج إن استطعت إليه سبيلاً فحج ،وإن لم تستطع فلا حج عليك ،بل إذا شرعت في الحج وأحصرت ولم تتمكن معه من إكمال الحج فتحلل ،وافسخ الحج واهدِ لقول الله تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [ البقرة: 196] .إذاً كل عسر يحدث للإنسان في العبادة يجد التسهيل واليسر .كذلك في القضاء والقدر ،يعني تقدير الله على الإنسان من مصائب ،وضيق عيش ،وضيق صدر وغيره لا ييأس ،فإن مع العسر يسراً ،والتيسير قد يكون أمراً ظاهراً حسيًّا ،مثل: أن يكون الإنسان فقيراً فتضيق عليه الأمور فييسر الله له الغنى ،مثال آخر: إنسان مريض يتعب يشق عليه المرض فيشفيه الله عز وجل ،هذا أيضاً تيسير حسي ،هناك تيسير معنوي وهو معونة الله الإنسان على الصبر هذا تيسير ،فإذا أعانك الله على الصبر تيسر لك العسير ،وصار هذا الأمر العسير الذي لو نزل على الجبال لدكها ،صار بما أعانك الله عليه من الصبر أمراً يسيراً ،وليس اليسر معناه أن ينفرج الشيء تماماً فقط ،اليسر أن ينفرج الكرب ويزول وهذا يسر حسي ،وأن يعين الله الإنسان على الصبر حتى يكون هذا الأمر الشديد العسير أمراً سهلاً عليه ،نقول هذا لأننا واثقون بوعد الله .