وقوله تعالى:{ فإن مع العسر يسرا} إشارة إلى أن الذي منحه صلوات الله عليه من شرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر بعد ضيق الأمر واستحكام حلقات الكرب في أول السير كان على ما جرت به سنته تعالى في هذا النوع من الخليقة ،وهو أن مع العسر يسرا ،ولهذا وصل العبارة بالفاء التي لبيان السبب و ( أل ) في ( العسر ) للاستغراق ،ولكنه استغراق بالمعهود عند المخاطبين من أفراده أو أنواعه فهو العسر الذي يعرض من الفقر والضعف وجهل الصديق وقوة العدو ،وقلة الوسائل إلى المطلوب ونحو ذلك مما هو معهود ومعروف ،فهذه الأنواع من العسر مهما اشتدت وكانت النفس حريصة على الخروج منها طالبة لكشف شدتها واستعملت من وسائل الفكر والنظر والعمل ما من شأنه أن يعد لذلك في معروف العقل ،واعتصمت بعد ذلك بالتوكيل على الله حتى لا تضعفها الخيبة لأول مرة ،ولا يفسخ عزيمتها ما تلافيه عند الصدمة الأولى فلا ريب في أن النفس تخرج منها ظافرة ،وقد كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم ،فإن ضيق الأمر عليه كان يحمله على الفكر والنظر حتى آتاه الله ما هو أكبر من ذلك ،وهو الوحي والنبوة ،ثم لم تكسر مقاومات قومه شيئا من عزمه بل ما زال يلتمس الغنى في الفقر والقوة في الضعف حتى أوتي من ذلك ما زعزع أركان الأكاسرة والقياصرة ،وترك منه لأمته ما تمتعت به أعصارا طوالا .أفاده الإمام رحمه الله .
لطيفة:
تنكير ( يسرا ) للتعظيم ،والمراد يسر عظيم ،وهو يسر الدارين ،وفي كلمة{ مع} إشعار بغاية سرعة مجيء اليسر كأنه مقارن للعسر ،فهو استعارة شبه التقارب بالتقارن فاستعير لفظ ( مع ) لمعنى ( بعد ) .