{ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ62 الَّذِينَ آمَنُواْ وكَانُواْ يَتَّقُونَ 63 لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 64} [ 6264] .
في الآيات هتاف تنويهي بأولياء الله تعالى وتطمين لهم بأنهم لا خوف عليهم ولا حزن وتعريفهم بأنهم المؤمنون المتقون ،وإعلان البشرى لهم في الحياة الدنيا والآخرة وتقرير كون ذلك حقا لهم عند الله الذي لا تبديل لكلماته ،وفي هذا ما فيه من الفوز العظيم .
تعليق على الآية
{ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}
والآيتين التاليتين لها وما روي في صدد ذلك من أحاديث
روح الآيات ومضمونها متسقان مع الآيات السابقة سياقا وموضوعا كما يتبادر عند التمعن فيها .فقد نددت الآيات السابقة بالمفترين على الله المكذبين لرسالة نبيه وقرآنه وأنذرتهم فجاءت هذه لتنوّه بالذين استجابوا لهذه الرسالة وتولوا الله ورسوله .وبذلك يصح القول إنها جزء من السياق ولاسيما أنه لم ترو رواية خاصة في نزولها .
وجمع الإيمان مع التقوى في الآيات جدير بالتنبيه والتنويه ،من حيث كون الإيمان أمرا قلبيا وغيبيا وكون التقوى برهانا عليه يعني التزام كل ما أمر الله ورسوله به وكل ما نهيا عنه لينال المؤمن رضاء الله تعالى ويتفادى غضبه ولا يمكن أن تصحّ دعوى الإيمان إلاّ به .ومن حيث إن التقوى بالتالي هي أعظم مظاهره على ما شرحناه شرحا أوفى في سياق سورة العلق .
وفي كتب التفسير{[1165]} بعض الأحاديث في سياق هذه الآيات .
ومن ذلك في صدد الآية الأولى حديث في صيغ عديدة روى صيغة منها أبو داود عن عمر جاء فيها:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء ويَغبطهم الأنبياءُ والشهداءُ يوم القيامة بمكانتهم من الله .قالوا: يا رسول الله أخبرنا من هم وما أعمالُهم فإنا نحبّهم لذلك .قال هم قوم تحابّوا في الله بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها .فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ{ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}{[1166]} .
ويتبادر لنا أن الحديث لا يعني أن الفئة المذكورة فيها أعظم من الأنبياء والشهداء ،وكل ما يعنيه أنهم ذوو منزلة عظمى عند الله يمكن أن ينالها غير هاتين الطبقتين اللتين تكونان قلة على كل حال بالنسبة للمؤمنين الصالحين في الأجيال المتعاقبة التي لا تحصى إلى يوم القيامة .ومع واجب الإيمان بما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشاهد الأخروية والأمور المغيبة فحكمة الحديث المتبادرة هي الحثّ على نيل هذه الدرجة بالتحلي بما فيها من صفات لا بد من أن الإيمان والتقوى منطويات فيها والتنويه بمن ينالها .
وفي صدد الآية الثالثة حديث في صيغ عديدة روى واحدة منها الترمذي والحاكم وصححها جاء فيه:"قال رجل من أهل مصر سألت أبا الدرداء عن هذه الآية قال: ما سألني عنها أحد منذُ سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها قال: ما سألني عنها أحد منذ أنزلت فهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له "{[1167]} .
ويلحظ أن هذه الآية معطوفة على سابقتيها ومبشرة بحسن منزلة أولياء الله في الدنيا والآخرة .ولا تبدو حكمة لتفسير البشرى الموعودة بالرؤيا الصالحة إلا أن يكون أريد بذلك زيادة التطمين والبشرى ،والله أعلم .
ولقد تطرق السيد رشيد رضا والسيد جمال القاسمي في تفسيرهما في سياق تفسير الآيات إلى الفئة التي اعتاد العوام أن يلقبوها ولي الله ويرووا عنها النوادر والكرامات ويلجأوا إليها لإخبارهم بالغيبيات وكشف ما يلم بهم من ملمات ويتخذوا قبورها مزارات وأماكن عبادة وتوسل واستغاثة وينذروا لها النذور .واعتاد أفراد منها أن يصنفوا أنفسهم صنوفا كالأقطاب والأوتاد والمرشدين ،وأن يتزيوا بأزياء خاصة ،ويتظاهروا بمظاهر عجيبة كثيرا ما تتناقض مع ما يقتضيه الإيمان والتقوى وأحكام القرآن والسنة ،وينبهوا على أن الآيات لا تعني فئة محددة مثل هذه الفئة وحذروا الناس من ذلك ،وهذا حق وسديد .فليس في الآيات ولا في الأحاديث سند لمثل هذه المظاهر والمزاعم قد ينخدع بها الناس والتي قد يقعون بها في مزالق الشرك والله تعالى أعلم .