{فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون 114 إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم 115 ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام 1 لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون 116 متاع قليل ولهم عذاب أليم 117 وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 118 ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم 119} [ 114-119] .
في الآيات:
1- أمر للسامعين بأن يأكلوا ويتمتعوا بكل ما رزقهم الله من الحلال الطيب ،ويشكروا الله على نعمه إن كانوا حقيقة يؤمنون به ويعبدونه .
2- وبيان بأن المحرم عليهم أكله ينحصر في الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح .
3- واستدراك بأن الله مع ذلك يغفر لمن يكون مضطرا إلى أكل هذه المحرمات في حدود الضرورة بدون توسع وتجاوز .
4- ونهي عن التحليل والتحريم اللذين لا يستندان إلى أمر رباني وعن نسبته ذلك إلى الله كذبا وافتراء .
5- وتنديد ووعيد لمن يفعل ذلك ،فهو لن يفلح ولن يسعد وله العذاب الأليم الذي ينتظره في الآخرة بعد متاع الدنيا وأجلها القصير .
6- وإشارة إلى كون الله إذا كان حرم على اليهود بعض المأكولات التي ذكرت في القرآن قبل هذه السورة ،فإنما كان ذلك بسبب بغيهم وتعنتهم وظلمهم وأن الله لم يظلمهم بذلك .
7- وتقرير بأن الله يعامل الذين يعملون السوء عن جهل وغفلة ثم يندمون ويتوبون ويسيرون في طريق الصلاح والإصلاح بالرحمة والمغفرة .
والتعليم الذي احتوته الآيتان الأوليان قد تكرر في القرآن في سور مدنية ومكية بأسلوب متقارب .ومن ذلك ما جاء في الآية [ 144] من سورة الأنعام التي سبق تفسيرها ،وعلقنا على الموضوع في سياقها ما يغني عن الإعادة .ولقد جاء الدم في آية الأنعام بوصفه مسفوحا ولم يرد هذا الوصف هنا .والمتبادر أن هذا مقدر وأنه هو الذي كان مستقرا مفهوم المدى .بدليل استثناء النبي في حديث له: الطحال والكبد ؛لأنهما عضوان جامدان على ما ذكرناه في التعليق المذكور .
وتكرر ورود هذا التعليم يدل على ما كان راسخا عند العرب من تحليل وتحريم في صدد اللحوم ،وما كان يدور حول هذا الموضوع من جدل .مما شرحناه كذلك في تفسير سورة الأنعام في سياق تفسير الآيات [ 118 -121] و [ 137-139] و [ 142-147] وكان من جملة ذلك بيان ما حرمه على اليهود وأسباب التحريم .
ولا يروي المفسرون رواية ما في مناسبة نزول هذه الآيات وأسلوبها ومضمونها في جملتها قد يلهمان أنها وردت في سياق استفسار أو مشهد جدل في صدد محرمات اللحوم والذبائح .وقد يلهمان أن الموضوع قد أثير من قبل بعض المسلمين أو بسبب بعض أقوال بعضهم وتصرفاتهم .ومما قد تلهمه الآيات: أن الجدل تطرق مرة أخرى إلى ما عند اليهود من محرمات أخرى غير المحرمات الأربع ،فاقتضت حكمة التنزيل الإشارة ثانية إلى أن ذلك قد كان عقابا خاصا لليهود وليس من محل للقياس عليه .
والآيات تبدو فصلا مستقلا لا صلة له بالفصول السابقة ،إلا إذا كان الكفار قد أشركوا في الموقف الجدلي ،أو إذا كان لهذا الفصل صلة بما كان من تبديل بعض الآيات مكان بعض مما لا يمكن التأكد منه ؛لأنه ليس هناك رواية ما في صددها يمكن الاستئناس بها عليه وإن كنا نميل إلى ذلك .
ولقد روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي في صدد الآية الأولى حديثا عن أبي هريرة قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ،وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ،واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ،وإن الرجل يمد يديه على السماء يا رب يا رب ،ومطعمه حرام ،ومشربه حرام ،وملبسه حرام ،وغذي بالحرام ،فأنّى يستجاب لذلك ){[1289]} .
حيث ينطوي في الحديث تلقين توضيحي متساوق مع التلقين القرآني في الآية ،وتنديد بالمنحرفين عنه .