الرزق الحلال الطيب
إذا كانت نعمة الله لأهل القرى في الأمن ورغد العيش ، فهي نعم لإباحتها ، لا لمنعهم منها ولذا كان النص بإباحتها لتتم سبحانه نعمته على عباده ، وكان ابتداء القول بالفاء ؛ لأنه مترتب على النعمة ، فقال سبحانه:{ فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا} الأمر للإباحة لا للوجوب ، إلا إذا كان الأمر يطلب الأكل بالكل لا بالجزء فالأكل بالجزء مباح أي له أن يأكل من نوع كذا أو كذا أو في وقت كذا ، دون وقت كذا فهذا مباح فيه أن يختار ما يشاء ، أما ترك الأكل بالكل بألا يأكل قط فحرام ؛ ولذا كان الأكل مباحا بالجزء أو النوع ، ومطلوبا طلبا لأمر بالكل ، كما أنه محرم أن يحرم صنفا معينا من الحلال على نفسه كالذين حرموا البحيرة والوصيلة والحام ، وقد وصف سبحانه وتعالى الأكل الذي وصفه الله تعالى وأعطاه ومكن منه بوصفين:
الوصف الأول – أنه حلال ، والثاني:أنه طيب ، والحلال أن يكون كسبه لا خبث فيه ، فالكسب بالربا أو الرشوة والميسر ، أو التغرير ، أو السرقة أو الاغتصاب ، أو الخمر كل هذا ليس برزق حلال ؛ لأنه كسب خبيث ، وكذلك أكل ما سمى عليه اسم غير الله من صنم أو صليب ، أو معبود غير الله أيا كان .
وأما الوصف الثاني – فهو أن يكون في ذاته طيبا لا خبيثا في ذاته ، فلا يؤكل الخنزير ولا الميتة ، ولا الدم ولا ما تعافه النفوس ، ومن ذلك سباع الطير ، وسباع البهائم ، فإن لحم هذه وما يشبهه لحم خبيث ، فكل ما حرمه سبحانه من مأكول خبيث الذات يضر الجسم وتعافه النفس .
وإن هذه النعم التي هيأها الله تعالى وأباحها توجب الشكر ؛ ولذا جاء الأمر بالشكر بعد الإباحة ، فقال تعالى:{ واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون} وشكرها بالقيام بالواجبات ، من عبادة وامتناع عن الشرك ، والتصدق منها لله تعالى ، وإطعام بالواجبات ، من عبادة وامتناع عن الشرك ، والتصدق منها لله تعالى ، وإطعام القانع والمعتر ، وأن يكون كل ذلك لوجه الله تعالى لا يبتغي سواه ، ولا يطالب إلا وجهه الكريم .
ولذا قال بعد ذلك:{ إن كنتم إياه تعبدون} تقديم الضمير يفيد التخصيص فالمعنى إن كنتم لا تبعدون إلا الله سبحانه وتعالى . وذكر الوحدانية بعدها فيه إشارة إلى أن تنال هذه النعم من غير تحريم لبعضها ، هو من عبادة الله تعالى ، ذلك أن الانتفاع بأي نعمة مع الشعور بعظمة المنعم واستحقاقه الشكر ، والتناول طاعة لأمره ، واستجابة لطلبه هذا في عباده ، ففي الانتفاع بكل نعمة منحها للاستجابة للمنعم عبادة ، حتى في بضع أحدكم صدقة .