وإنهم مع هذه الحال أرسل إليهم رسولا من أنفسهم فكذبوه ، وقد قال تعالى في ذلك:{ ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخدهم العذاب وهم ظالمون ( 113 )} .
جاءهم رسول منهم عرفوا صدقه ، وأمانته ، إذا انشأ بينهم وليدا عفا لم يزن بريبة ، ولم يسجد لصنم حتى بعث فيهم رسولا ، هذا ما تتضمنه كلمة{ منهم} ، فليس غريبا عنهم ، وذلك كقوله تعالى:{ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ( 128 )} [ التوبة] .
ولقد أكد سبحانه بعثه صلى الله عليه وسلم فيهم ب ( اللام ) وب ( قد ) ، وقال:{ جاءهم} ، أي بعث ابتداء فيهم ، وتنكير{ رسول} للتعظيم ، وإلى مكنته عند الله ، وعندهم لأمانته وعفته ولصدقه ، ولكنهم بدل أن يعالجوا بالإيمان عاجلوا بتكذيبه ، ف ( الفاء ) للترتيب والتعقيب ، أي أن النتيجة جاءت على نقيض المقدمات ؛ إذ أنه كان معروفا بالصدق والأمانة ، فكان الواجب أن يبادروا بتصديقه ، ولكنهم بادروا بتكذيبه ، وعقب التكذيب أخذهم العذاب ، إذ أخذوا في أسبابه ، وهو التكذيب والصد عن سبيل الله وإيذاء المؤمنين .
والعذاب هو عذاب الدنيا بالتقتيل فيهم وهزيمتهم ، وذهاب سيطرتهم ، وقيام الحق رغم أنوفهم ، هذا في الدنيا ، أما في الآخرة فبالعذاب الأليم ، وإلقائهم في الجحيم .
ثم قال تعالى:{ وهم ظالمون} ، الواو للحال ، أي والحال أنهم ظالمون ، فالعذاب نزل بهم ، وهم أحق به ، فهو بما كسبوه من تكذيب الحق ، وتجاوزوا حد التكذيب إلى الظلم إذ صدوا عن سبيل الله وفتنوا المؤمنين في إيمانهم وعذبوهم ، وحاولوا أن يردوهم عن دينهم فارتدوا خاسئين .