وبين الله تعالى المحرمات من الخبائث فقال:
{ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ( 115 )} .
{ إنما} أداة قصر أي أن المحرم عليكم من النعم ومحوها الميتة والدم ولحم الخنزير ، إذا أهل لغير الله به ، أصناف أربعة هي:الميتة وهي التي كانت قد حبس دما فيها ، ويدخل فيها الموقوذة والنطيحة ، فإنها كالتي ماتت حنف أنفها ، إذ لم تذك التذكية الشرعية ، وحبس الدم فيها ولم يرق ، والدم ، وهو الدم المسفوح ، وقد ذكر هنا مطلقا ، وذكر مقيدا في آية الأنعام في قوله تعالى:{ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به . . .( 145 )} [ الأنعام] .
ولحم الخنزير إذ إنه نجس بذاته ، وما أهل به لغير الله وهو المذبوح لغير الله .
ومن المقررات أنه إذا اتحد المسبب والحكم ، وجاء اللفظ في أحد الموضعين مطلقا ، وفي الآخر مقيدا حمل المطلق على المقيد .
وهذه الآية الأخيرة تفيد أن تحريم هذه الأشياء لأنه رجس ، وفيها ضرر جسمي إذ هي قاذورات خبيثة ، وما أهل لغير الله كان تحريمه لأنه فسوق وخرج عن التوحيد ؛ لأنه ذكر غير اسم الله تعالى عليه .
وهذا التحريم في حال الاختيار ، أما في حال الاضطراب فإنه يرخص فيه الأكل ، ولذا قال تعالى:{ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم} ، أي فإنه يرخص الأكل ، وإن الله تعالى يغفر الإثم لأن الله يرفعه بمغفرته وبرحمته وقد اشترط للإباحة شرطان ، أو ذكر الترخيص مقرونا بوصفين:
الوصف الأول:أن يكون{ غير باغ} طالب له يشتهيه ، وهذا الوصف تحقيق للضرورة ، لأنه إذا كان يبتغيه وهو في فسحة من العمل لا يكون مضطرا ، ولأنه إذا كان يبتغيه يتجاوز حد الضرورة .
والوصف الثاني:{ ولا عاد} ، أي متجاوز حد الضرورة .
وقد قالوا إن هذه رخصة إسقاط ؛ لأنه قد سقط عنه التحريم بهذه الضرورة ، وقالوا إن الأكل في هذه الحال واجب ، وليس بمباح فقط ؛ لأنه يتردد بين أمرين أحدهما أقوى تحريما من الآخر:
الأمر الأول – الأكل .
والأمر الثاني – تلف النفس ولا شك أن تلف النفس أقوى تحريما من الأكل .
وقال أهل الطب إن تحريم هذه الأشياء لما فيها من رجس وقذر ، وذلك يضر الجسم ، فإذا كان الجسم في حال جوع شديد ومخصمة كان هذا الجوع مخففا لأضرارها ، وكان الأخذ منها لا ضرر فيه لحال الجوع الشديد ، فيأخذ من غير تعد ولا شهوة أكل ، ولا تجاوز لحد الضرورة ، فإن تجاوزها كان الضرر ، وتحقق الرجس والقذر .