/م114
{إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم} .
التحريم والتحليل يكونان من الله ،وقد نعى القرآن على أهل الجاهلية تحريم أنواع من الحيوانات ،فقال سبحانه وتعالى:{ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون}( المائدة:103 ) .
وقد تكرر هذا المعنى في سورة البقرة والمائدة والأنعام ،وقد قصر الله التحريم هنا في هذه الأربع ؛ردا على تحريم المشركين لبعض الحيوانات ،افتراء على الله ،من غير أن يحرمها الله تعالى .
ف{الميتة} .ربما تعفنت أو فسدت ،فتعافها النفس من جهة ،ولأن في أكلها أضرارا بالجسم من جهة أخرى ،ويلحق بالميتة: المنخنقة ،والموقوذة ،والمتردية ،والنطيحة ،وما أكل السبع منها ؛نظرا لفسادها وضررها ،ولأنها لم تذبح وتذكى وهي حية .
{والدم} .وهو الدم النازل من الحيوان في حياته أو في مماته ،ويسمى:الدم المسفوح ،أي: السائل عند ذبح الحيوان ،وقد أثبت الطب الحديث الأضرار التي تصيب الإنسان من شرب الدم .
{ولحم الخنزير} .وقد حرم الله الخنزير كله ،جلده ولحمه ودهنه ؛وإنما ذكر اللحم هنا ؛لأنه الأساس المقصود بالذبح ،وتحريم الشحم والجلد تابعان لتحريم اللحم .
{وما أهل لغير الله به} . حيث كان أهل الجاهلية يذبحون لآلهتهم ،ويقولون عند الذبح باسم اللات أو باسم العزى ؛والفعل{أهلّ} مأخوذ من الإهلال بمعنى: رفع الصوت ،أي: رافعين أصواتهم باسم آلهتهم ؛وفي هذا الحيوان فساد معنوي ؛لأنه ذكر عليه اسم غير الله ،وقد قال تعالى:{فكلوا مما ذكر اسم الله عليه}( الأنعام:118 ) .
والذبح عبادة لها مواصفات في كتب الفقه ؛منها: أن يحد الذابح شفرته ،ويريح ذبيحته ،ويذبح الحيوان من رقبته ،ويقطع أكثر الرقبة وفيها الحلقوم والودجان والنخاع .وعند الذبح يقول: باسم الله .الله أكبر .
{فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم} .
أي:من اضطر إلى أكل شيء من هذه المحرمات الأربع: كمن سار في صحراء ،وضل الطريق ،واشتد به الجوع ؛فإنه يباح له الأكل من هذه المحرمات ،بمقدار ما يسد الرمق ،ويستبقي الحياة .
{غير باغ} ، أي: متجاوز في قصده ،بأن يترك الحلال متعمدا إلى أكل الحرام .
{ولا عاد} .أي: ولا معتد بأكل أكثر مما يسد الرمق ،من أكل هذه المحرمات مضطرا فلا إثم عليه ،ولا ذنب .
{فإن الله غفور رحيم} .فإن الله يغفر له ويرحمه ؛لأنه عليم بالملابسات التي أحاطت به ،وهو سبحانه لم يكلفنا بما لا نطيق .
قال تعالى:{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}( البقرة:286 ) .
وقال عز شأنه:{لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}( الطلاق:7 ) .
وفي خواتيم سورة البقرة:{ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}( البقرة:286 ) .
والآن وبعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ،يتحدث الطب الحديث عن الأضرار العديدة التي تصيب من يأكل من هذه المحرمات ،ويتضح للعيان صدق هذا القرآن ،وأنه إنما جاء من عند الله حقا ،فأنى لمحمد الذي نشأ في بلاد العرب ،أن يصل إلى تحريم هذه الأشياء بذاتها ،من غير أن يوجهه وحي السماء ،وصدق الله العظيم:{وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى} ( النجم:4 ، 3} .