{ويَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً 11 وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ والنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ولِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ وكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً 12} [ 1112]
في الآية الأولى إشارة تنديدية إلى خلق من أخلاق كثير من الناس حيث تقرر أنهم طبعوا على العجلة في أمورهم سواء أأدت إلى شرّ أم إلى خير .وهم يستعجلون بأعمالهم الشرّ مثل استعجالهم الخير .
وفي الثانية تقرير رباني بأن الله قد جعل الليل والنهار من أدلة حكمة النواميس الكونية التي أبدعها ،فجعل النهار مضيئا ليسعى الناس فيه ويحصلوا من فضل الله على وسائل عيشهم وقوام حياتهم .وجعل الليل مظلما ليسكنوا فيه ويستريحوا ،وبالإضافة إلى ذلك فإنه جعل الليل والنهار وسيلة لمعرفة السنين وحساب الأيام .وهو يبين للناس في قرآنه كل أمر ؛ليدركوا حكمته البالغة وقدرته الشاملة .
ويتبادر لنا أن الآيتين غير منقطعتين عن الآيتين السابقتين لهما .ويبدو أن الكفار حينما سمعوا ما احتوته الآيتان السابقتان من بشرى للمؤمنين وعذاب للكافرين تحدوا النبي صلى الله عليه وسلم بتعجيل العذاب على عادتهم فنزلت الآيتان للرد عليهم ؛ففي أولاهما نددت بهم ؛لاستعجالهم الشرّ والعذاب كما لو كان خيرا .وفي ثانيتهما نبهتهم إلى أن لكل شيء موعدا وأجلا ،فالعاجل لا يكون آجلا بالدعاء والطلب ،والآجل لا يكون عاجلا به أيضا ،كما هو شأن تعاقب الليل والنهار وشأن حساب الأيام والسنين ،فلا الليل سابق النهار ولا السنون سابقة للأيام ؛فكل شيء يكون في وقته المعين له .
ومدى ما احتوته الآيتان من تنبيه وتنديد وتوضيح وتعليم شامل على كل حال لسامعي القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما هو المتبادر من أسلوبها وفحواها .وقد تكرر ذلك في آيات عديدة مرّ بعضها ؛لأن ما احتوته الآيتان متصل بحياة الناس وشؤونهم وأخلاقهم بعامة .
وننبه بصورة خاصة إلى صيغة الآية الثانية ،حيث ينطوي فيها تنبيه إلى أمر يشاهده ويمارسه الناس وسامعو القرآن الأولون من الجملة ،وهو كون النهار ظرفا للسعي والتكسب الذي عبر عنه بجملة{لتبتغوا فضلا من ربكم} [ 12] ولكون الليل والنهار وسيلة إلى معرفة دوران الزمن وحساب الأيام والسنين .وهو أسلوب القرآن عامة في تقرير مشاهد الكون ونواميسه .فلا ينفي أن يتجاوز الأمر الهدف الملموح في الآيات وهو التدليل على آثار نعمة الله ونواميسه في الكون إلى التمحل والتجوز لإثبات نظريات فنية من الآيات القرآنية على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة .