{* ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً 70} [ 70]
تعليق على آية
{ولقد كرمنا بني آدم ...} الخ
جاءت الآية معقبة على الآيات السابقة .وقد تضمنت تقريرا ربانيا بما اقتضته حكمة الله من تكريمه لبني آدم ورزقهم من الطيبات وتيسير سيرهم في البرّ والبحر وتفضيلهم على كثير من مخلوقاته .
والتنويه المنطوي في الآية رائع عظيم .ومجيء ذلك بعد آيات قصة آدم وإبليس محكمة المناسبة وبالإضافة إلى ما في تكريم الله المذكور في القرآن بأمر الملائكة بالسجود لآدم كما جاء في الآيات السابقة للآية وفي ست سور أخرى ،فإن مظاهر هذا التكريم ذكر القرآن أن الله خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه كما جاء في سورة ص [ 77] وجعله وبالتبعية خلفاء في الأرض وقد ردّ على الملائكة المعترضين على ذلك بأن ذلك من مقتضى حكمته التي لا يعلمونها .وتعليمه من دونهم الأسماء كلها كما جاء في آيات سورة البقرة [ 3033] .ومن هذه المظاهر وصف القرآن بأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم كما جاء في سورة التين وبأن الله صور بني آدم على أحسن صورة كما جاء في آية سورة غافر [ 20] وغيرها مما مر منه أمثلة عديدة .ومن هذه المظاهر ذكر القرآن أن الله قد سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة كما جاء في سورة لقمان [ 20] وآيات عديدة أخرى مرّت أمثلة منها .وإن الله قد اختصهم بالتكليف دون سائر خلقه كنتيجة لما شاءت حكمته من خلق الاستعداد فيهم للكمال الذهني والعقلي وتحمل مسؤولية أعمالهم كما هو المستفاد من آيات كثيرة جدا مرّت أمثلة منها وبخاصة من آيات سورة الأحزاب [ 7273] .
ولقد قال ابن كثير في سياق الآية على أفضلية جنس البشر على جنس الملائكة ،وأورد حديثا أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمرو قال:"قال رسول الله ليس من شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم .قيل: يا رسول الله ولا الملائكة ؟قال: ولا الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر "،والحديث لم يرد في الصحاح .ولكن فحواه متساوق مع الآية في مدى تقرير ما لبني آدم عند الله من كرامة ومتساوق مع آيات البقرة [ 3033] ومتساوق مع أمر ربهم للملائكة بالسجود لآدم تكريما له .
والمتبادر المستلهم من روح الآية ومقامها أنها بسبيل تقرير وإيجاب حق الإخلاص لله عزّ وجل وحده والاعتراف بفضله ونعمه ونبذ ما سواه في كل ظرف على بني آدم تجاه هذا الإيذان الرباني بتكريمهم وإيجاب العزوف عنهم عن كل ما يشين إنسانيتهم ويحط من كرامتهم التي حباهم الله بها في سلوكهم الخاص والعام .