{وقَالُوا اتَّخَذَ الرحمان ولَدًا 88 لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا 89 تَكَادُ السَّمَاواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وتَنشَقُّ الْأَرْضُ وتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا 90 أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ ولَدًا 91 ومَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ ولَدًا 92 إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرحمان عَبْدًا 93 لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وعَدَّهُمْ عَدًّا 94 وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا 95 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمان وُدًّا 96} [ 8896] .
في الآيات حكاية لعقيدة القائلين باتخاذ الله ولدا وحملة تكذيبية وتقريعية عليهم .فهذا القول منكر شديد تكاد السماوات والأرض تنشقّ والجبال تنهدّ من فظاعته ؛لأن الله أجل وأعظم من أن ينسب إليه هذا النقص .فكل من في السماوات والأرض هم عبيده الخاضعون له .قد أحاط بهم إحاطة شاملة .وسيردون عليه يوم القيامة أفرادا مجردين من كل قوة فيقضي فيهم بحكمه القضاء النافذ ؛ويكون للمؤمنين الصالحين عنده البر والرحمة والرعاية .
وتعبير"وقالوا "يلهم أن القصد من القائلين هم العرب الذين هم موضوع الكلام في الفصل السابق وما سبقه من فصول .وقد حكت آيات قرآنية عديدة أن العرب كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله على ما شرحناه في سياق سورة المدثر والنجم والفرقان .
وهكذا تكون الآيات استمرارا في السياق السابق وفصلا مماثلا للفصل السابق له مباشرة .
ومما ورد على البال أن يكون أريد بهذا الفصل أن يشمل في الحملة النصارى الذين اعتقدوا بنوّة المسيح لله تعالى عودا على بدء السورة حين ختامها بالإضافة إلى العرب .فإذا صح هذا ففيه صورة من صور النظم القرآني .
هذا ،والمتبادر أن الآية الأخيرة بالإضافة إلى ما تضمنته من وعد رباني برعاية الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد تضمنت قصد التنويه بهم وبث الاغتباط في نفوسهم ليستمروا ويزدادوا فيما هم عليه .
ولقد أورد ابن كثير حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال"قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحبّ الله عبدا نادى جبريل إنّي قد أحببت فلانا فأحبّه .فينادى في السّماء ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض .فذلك قول الله عزّ وجلّ{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمان وُدًّا 96} ".
والحديث لم يرد في كتب الصحاح{[1349]} .وإذا صح فيكون فيه تطبيق لمدى الآية .ولا يخلّ بالشرح الذي شرحناه آنفا من كونها بسبيل التنويه بالرعاية التي تكون للمؤمنين الصالحين يوم القيامة وبسبيل بثّ الاغتباط في نفوسهم في الدنيا .