وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ{42} وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ{43} وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{44} فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ [ 1] عَلَى عُرُوشِهَا [ 2] وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ [ 3] وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ [ 4]{45} أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ{46}
في هذه الآيات:
1- خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: فإذا كان الكفار يقفون منه موقف التكذيب والجحود فقد كذّب قبلهم أمثالهم من أقوام نوح وعاد وثمود وإبراهيم ولوط ومدين أنبياءهم كما كذب موسى .فأمهل الله الكافرين قليلا ثم أخذهم وكان نكاله فيهم شديدا خالد الأثر .
2- تذكير ينطوي على الزجر: فلكم أهلك الله من أهل القرى الظالمة خلقاً فخرّت قراهم على عروشها وتدمّرت .ولكم تعطل نتيجة لذلك آبار كانت عامرة بورّادها ،وخلت قصور مزينة شاهقة كان أهلها يرفلون فيها بالهناء ؟
3- وتساؤل يتضمن الإنكار والتنديد عمّا إذا كان الكفار يكذّبون النبي لم يسيروا في الأرض ويروا آثار نكال الله وتدميره في منازل الظالمين السابقين أمثالهم ويسمعوا أخبارها فيتعظوا ويعتبروا .والإنكار والتنديد ينطويان على تقرير بأن السامعين العرب كانوا يعرفون مساكن الأمم السابقة البائدة ورأوا فيها آثار التدمير ،وكانوا يعلمون أنها آثار تدمير رباني .
4- وبيان لسبب عدم اعتبارهم واتّعاظهم يتضمن التقريع والتعقيب: فإن قلوبهم هي المتعامية عن الحقيقة المنصرفة عن الحق .ومن كان قلبه كذلك فلا يجدي إبصاره ورؤيته شيئا .
ولم نطلع على مناسبة خاصة للآيات .ولا تحتوي موضوعا مستقلا كما هو واضح .وإنما تعطف الكلام إلى الكفار منددة مذكّرة لهم ومسلّية للنبي صلى الله عليه وسلم إزاء موقفهم وتكذيبهم .والطابع المكي عليها وعلى ما بعدها بارز .ويتبادر لنا أنها استئناف واستمرار للكلام الذي سبق الآية [ 24] وما بعدها ،وقد تضمن هذا الكلام موضوعا من مواضيع الدعوة الرئيسية وهو الإنذار بالبعث والتنديد بفئات الناس المنحرفين الذين يتبعون وساوس الشياطين أو يلتمسون مصالحهم الخاصة من وراء الإيمان بالله .ووصفا لمصير الكفار والمؤمنين في الآخرة ،وأن الآيات [ 24] وما بعدها قد جاءت بمثابة استطراد سواء أكانت مدنية أو مكية .وهذا مما تكرر في النظم القرآني المكي .