{ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون ( 105 ) قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ( 106 ) ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ( 107 ) فال اخسئوا فيها ولا تكلمون ( 108 ) إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين( 109 ) فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منها تضحكون ( 110 ) إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون( 111 )} [ 105-111]
في هذه الآيات حكاية لمحاورة مفروض وقوعها بين الله تعالى والكفار ؛حيث يخاطبهم الله بعد أن يصيروا إلى النار بأسلوب التقريع عما إذا لم يكونوا قد نالوا ما يستحقونه ؛لأنهم كانوا يكذبون بآياته كلما كانت تتلى عليهم ،ولسوف يجيبون بأن روح الإثم والشقاء قد تغلبت عليهم ،فضلوا عن طريق الهدى ثم يلتمسون إخراجهم من النار معلنين توبتهم على أن يكونوا إذا عادوا ظالمين مستحقين أشد العذاب ،فيرد الله عليهم أن اخسأوا ولا تراجعني بكلام .فقد كان فريق من عبادي الصالحين المخلصين يتجهون إليّ ويطلبون مني وحدي الغفران والرحمة فاتخذتموهم موضوع هزء وسخرية وكنتم تضحكون منهم واستغرقتم في ذلك حتى نسيتم ذكري ،ولقد جزيتهم اليوم بسبب ثباتهم على إيمانهم وعملهم الصالح وصبرهم على ما لحق بهم منكم من الأذى والسخرية فكانوا الفائزين السعداء .
والآيات استمرار في السياق والموضوع السابقين كما هو ظاهر ،والإنذار والتنديد فيها قويان مفحمان ،وقد استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب في قلوب الكفار وحملهم على الارعواء وهم في فرصة الدنيا ،مع الثناء على المؤمنين وتطيمنهم وتبشيرهم ؛وبخاصة الفقراء والمساكين منهم الذين كانوا موضوع سخرية الكفار واحتقارهم على ما حكته آيات عديدة مرت أمثلة منها .
وبعض المفسرين{[1448]} قالوا في صدد جملة{قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا} الشقاء الذي كتبه الله عليهم ،وروح الآيات وفحواها لا تساعدان على هذا التأويل كما لا تساعد عليه التقريرات القرآنية المحكمة التي تتضمن أن الله هدى الناس إلى طريق الخير والشر وآتاهم قابلية التمييز والاختيار بينهما على ما شرحناه في مناسبات عديدة .