3- وهل لا يعرفون شخص نبيهم الذي يدعوهم معرفة قريبة وكافية حتى ينكروه ويتجاهلوه ويعرضوا عنه ويتهموه بالجنون أو الاتصال بالجن ؟.
إن الآية الثانية تلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معروفا عند قومه بنبل الخلق ورجاحة العقل وكرم المنبت قبل البعثة ،وهو ما ثبت بالروايات الوثيقة ،ومنها قول خديجة رضي الله عنها الذي وجهته إليه في معرض تثبيته حينما أوحي إليه لأول مرة في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها حيث قال لها:( لقد خشيت على نفسي فقالت له: كلا والله ما يخزيك الله أبدا ،إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ){[1440]} .ثم في الحديث الذي رواه الطبري عن عبد الله بن الزبير حيث قال لها: إني خشيت أن أكون شاعرا أو مجنونا فقالت له: ( إني أعيذك من ذلك يا أبا القاسم ،ما كان الله ليصنع ذلك بك مع ما أعلم منك من صدق حديثك وعظم أمانتك وحسن خلقك وصلة رحمك ){[1441]} .
حين تضمنت استنكار لموقفهم منه ،وهم يعرفونه حق المعرفة فيعرفون أنه لا يمكن أن يكذب أو يفتري أو يسخف أو يسف أو يلهو أو يتدخل فيما لا يعينه أو يسعى وراء غرض ومنفعة ذاتية{[1442]} .وفي تفسير البغوي قول لابن عباس في معنى الآية جاء فيه:( أليس قد عرفوا محمد صلى الله عليه وسلم صغيرا وكبيرا وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ووفاءه بالعهود ؟) .