{ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين 47} [ 47] .
في الآية تذكير بأن الله تعالى قد أرسل من قبل النبي رسلا إلى أقوامهم بالبينات .فمنهم من استجاب ومنهم من كفر فانتقم الله من المجرمين وأصابهم ببلائه ونصر المؤمنين لأنه يعتبر نصر المؤمنين عليه حقا .
تعليق على جملة
{وكان حقا علينا نصر المؤمنين}
وبعض المذاهب الكلامية تتوقف في تقرير حق الله تعالى لخلقه .وقد يكون في هذا وجاهة ولا سيما إذا قيل هذا من إنسان ؛لأنه قد يكون فيه معنى من معاني سوء الأدب نحو الله عز وجل .ولكن العبارة هنا ليست من ذلك .فالله تعالى هو الذي يوجب على نفسه نصر المؤمنين الذين أخلصوا له وحده .وفي هذا- فضلا عن التشجيع والتثبيت والتطمين – معنى تكريمي عظيم للمؤمنين ورفع لشأنهم وتسجيل لفضلهم ومزيتهم حيث جعلهم مستحقين أن ينصرهم مستوجبين عليه أن يظهرهم ويظفرهم .
ولقد أورد المفسرون{[1627]} على هامش تأويل هذه الآية حديثا نبويا عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: ( ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة .ثم تلا:{وكان حقا علينا نصر المؤمنين} .
ومع ما للبشرى التي احتوتها الآية والحق الذي أوجبه الله على نفسه بنصر المؤمنين من خصوصية زمنية فإن إطلاقها يجعلها شاملة لكل زمن ومكان وحال أيضا .فالمؤمنون المستقيمون يجب أن يظلوا دائما مطمئنين إلى أن الله قد وعدهم بالنصر والتأييد وجعل ذلك حقا عليه ،وأنه لن يخلف وعده ولو اشتدت عليهم الخطوب وتعاظمت الكروب أحيانا ،وفي هذا ما فيه من التلقين القرآني الجليل .
وليست هذه الآية الأولى من نوعها .فقد ورد في سور سابقة آيات مماثلة أو مقاربة فيها وعد الله تعالى بنصر رسله كما جاء في آيات سورة الصفات [ 171-173]وبنصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا والآخرة معا كما جاء في آية سورة غافر [ 51] بالإضافة إلى سور أخرى جاء الوعد بأساليب أخرى حيث يمكن أن يرد إلى البال أنه فضلا عما في إيمان المؤمنين وإخلاصهم واتجاههم إلى الله وحده من مبرر لهذا الوعد الرباني وتحقيقه في كل ظرف فإن حكمة التنزيل اقتضت هذا التكرار بسبب ما كان يحدق بالمؤمنين في مكة من ظروف صعبة للتثبيت والتشجيع والتطمين .