{أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون8 أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض 1 وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 9 ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى 2 أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون 10} [ 8-10] .
في هذه الآيات:
1- سؤال يتضمن التنديد بالغافلين عن الآخرة بسبب عدم تدبرهم في الأمر وتفكيرهم منطقيا وهادئا يجعلهم يدركون أن الله تعالى لا يعقل أن يكون قد خلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ،بل لحكمة جليلة تقوم على الحق ولأمد معين في علمه .
2- وإشارة إلى سبب ذلك وهو كون أكثر الناس لا يؤمنون بلقاء ربهم ،ولا يوقنون به فينصرفون عن هذا التدبر والتفكير .
3- وسؤال آخر يتضمن التنديد بهم أيضا: فإذا كانوا لا يتدبرون في الأمور ،فهل لم يتجولوا في أنحاء الأرض ويروا عاقبة الذين من قبلهم ويعرفوا أخبارهم فيتعظوا بها ؟فقد كان الذين قبلهم أشد منهم قوة وإعمارا واستغلالا للأرض ،فلما جاءتهم رسل الله بالبينات وقفوا منهم موقف المكذب المستهزئ ولم يتورعوا عن ارتكاب السيئات فجازهم الله سوءا بسوء ،ولم يكونوا في ذلك مظلومين وإنما كانوا هم الذين جنوا على أنفسهم .
والآيات متصلة بالآيتين الأخيرتين من الفصل السابق اللتين جاءتا بمثابة استطراد وانتقال إلى التنديد بالكفار الذين لا يعرفون الحقائق ويغفلون عن المصير الأخروي .وهكذا تكون هذه الآيات استمرار في الاستطراد ،وفي نقل الكلام إلى الكفار ومواقفهم .وهذا أسلوب من أساليب النظم القرآني الذي مرت منه أمثلة كثيرة .
وأسلوب الآيات قوي مستحكم وموجه إلى القلب والعقل معا .وقد تكرر فحواها كثيرا مما مر منه أمثلة عديدة .والآية خاصة تحتوي بالإضافة إلى التنديد سؤالا استنكاريا يتضمن من جديد معنى التقرير بأن السامعين يعرفون مما وصل إليهم من أخبار ووقت عليه عيونهم من مشاهد أثناء رحلاتهم أن أهل البلاد التي كانوا يرحلون إليها مما هو في جزيرة العرب أو جوارها هلكوا ودمرت بلادهم بعذاب رباني وكانوا أقوى منهم وأشد .ومن هنا يأتي التنديد والتذكير ملزمين مستحكمين .