{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ( 1 ) وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ( 15 )} .
( 1 ) غير آسن: غير منتن أو غير متغير الرائحة والطعم نتيجة للفساد والركود .
والآية استمرار في السياق أيضا كما هو المتبادر .وقد استهدفت تقرير عدم إمكان التسوية في المصائر الأخروية بين الصالحين المهتدين والضالين المسيئين لعدم إمكان التسوية بينهم بسبب مسلك كل منهم .فالمتقون موعودون بجنة فيها الأنهار من الماء النقي السائغ واللبن الطيب والخمر اللذيذ والعسل المصفى وكل الثمرات ،بالإضافة إلى رضاء الله ومغفرته في حين أن الكافرين الضالين المسيئين مقدر عليهم الخلود في النار يشربون فيها الماء الشديد الغليان الذي يقطع الأمعاء .
والتعبيرات الوصفية عما في الجنة والعذاب في الآخرة مستمدة من مألوفات الدنيا في أصلها .وقد جاءت بأسلوب التفخيم والتعظيم لحظ الناجين والتهويل لحظ الأشقياء للتشويق والإرهاب مما جرى عليه النظم القرآني واستهدفه على ما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة .مع التنبيه إلى أن ما فيها ليس خارجا عن نطاق قدرة الله تعالى ووجوب الإيمان بحقيقتها المغيبة التي أخبر عنها القرآن والوقوف عند ذلك مع الإيمان بأن لا بد من حكمة سامية في ذكر ذلك لعل منها ما ذكرناه من تشويق وترهيب .
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا رواه الإمام أحمد عن حكيم ابن معاوية عن أبيه قال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر ،ثم تشقق الأنهار منها بعد ) وحديثا رواه أبو بكر ابن مردويه عن عبد الله ابن قيس عن أبيه قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبة ،ثم تصدع بعد أنهارا ) وحديثا رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني عن لقيط ابن عامر قال ( قلت يا رسول الله فعلام نطلع من الجنة ؟قال: على أنهار عسل مصفى وأنهار من خمر ما بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة ،لعمر إلاهك ما تعلمون وخير من مثله ،وأزواج مطهرة قلت: يا رسول الله أولنا فيها أزواج مصلحات قال: الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ،ويلذونكم غير أن لا توالد ) .
وينطوي في الأحاديث توضيحات نبوية للآيات وترغيب وتبشير متسقان مع ما استهدفته كما هو المتبادر .