ثم قال:( مثل الجنة التي وعد المتقون ) قال عكرمة:( مثل الجنة ) أي:نعتها:( فيها أنهار من ماء غير آسن ) قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة:يعني غير متغير . وقال قتادة ، والضحاك ، وعطاء الخراساني:غير منتن . والعرب تقول:أسن الماء ، إذا تغير ريحه .
وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم:( غير آسن ) يعني:الصافي الذي لا كدر فيه .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق قال:قال عبد الله:أنهار الجنة تفجر من جبل من مسك .
( وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ) أي:بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة . وفي حديث مرفوع:"لم يخرج من ضروع الماشية ".
( وأنهار من خمر لذة للشاربين ) أي:ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا ، بل [ هي] حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل ، ( لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ) [ الصافات:47] ، ( لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) [ الواقعة:19] ، ( بيضاء لذة للشاربين ) [ الصافات:46] ، وفي حديث مرفوع:"لم تعصرها الرجال بأقدامها ".
[ وقوله] ( وأنهار من عسل مصفى ) أي:وهو في غاية الصفاء ، وحسن اللون والطعم والريح ، وفي حديث مرفوع:"لم يخرج من بطون النحل ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا الجريري ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"في الجنة بحر اللبن ، وبحر الماء ، وبحر العسل ، وبحر الخمر ، ثم تشقق الأنهار منها بعد ".
ورواه الترمذي في "صفة الجنة "، عن محمد بن بشار ، عن يزيد بن هارون ، عن سعيد بن إياس الجريري به وقال:حسن صحيح .
وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم ، حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة الإيادي ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبة ، ثم تصدع بعد أنهارا "
وفي الصحيح:"إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ".
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني:حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري ، وعبد الله بن الصقر السكري قالا:حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة ، حدثني عبد الرحمن بن عياش ، عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي ، عن أبيه ، عن عمه لقيط بن عامر ، قال دلهم:وحدثنيه أيضا أبو الأسود ، عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر خرج وافدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت:يا رسول الله ، فعلام نطلع من الجنة ؟ قال:"على أنهار عسل مصفى ، وأنهار من خمر ما بها صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وفاكهة ، لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله ، وأزواج مطهرة "قلت:يا رسول الله ، أولنا فيها أزواج مصلحات ؟ قال:"الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم ، غير ألا توالد ".
وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا:حدثنا يعقوب بن عبيدة ، عن يزيد بن هارون ، أخبرني الجريري ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك قال:لعلكم تظنون أن أنهار الجنة تجري في أخدود في الأرض ، والله إنها لتجري سائحة على وجه الأرض ، حافاتها قباب اللؤلؤ ، وطينها المسك الأذفر .
وقد رواه أبو بكر بن مردويه ، من حديث مهدي بن حكيم ، عن يزيد بن هارون به مرفوعا .
وقوله:( ولهم فيها من كل الثمرات ) ، كقوله:( يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ) [ الدخان:55] . وقوله:( فيهما من كل فاكهة زوجان ) [ الرحمن:52] .
وقوله:( ومغفرة من ربهم ) أي:مع ذلك كله .
وقوله:( كمن هو خالد في النار ) أي:أهؤلاء الذين ذكرنا منزلتهم من الجنة كمن هو خالد في النار ؟ ليس هؤلاء كهؤلاء ، أي:ليس من هو في الدرجات كمن هو في الدركات ، ( وسقوا ماء حميما ) أي:حارا شديد الحر ، لا يستطاع . ( فقطع أمعاءهم ) أي:قطع ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء ، عياذا بالله من ذلك .