{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ( 72 ) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 73 ) أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 74 ) مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ( 1 ) كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ( 75 ) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 76 )} ( 72 – 76 ) .
تعليق على الآية:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} الخ
والآيات الأربع التي بعدها
عبارات الآيات واضحة .وقد تضمنت:
( 1 ) تقرير كفر الذين يقولون إن الله هو المسيح والذين يقولون إنه ثالث ثلاثة .
( 2 ) وتقرير كون ذلك هو مخالف لدعوة المسيح الذي دعا بني إسرائيل إلى الله وحده ربه وربهم وأنذر المشركين به بالحرمان من الجنة وبعذاب النار .
( 3 ) وتقرير حقيقة المسيح وأمه .فهو رسول مثل سائر الرسل الذين سبقوه وأمه صديقة مؤمنة .وكلاهما بشر مثل سائر البشر ،وكانا مثلهم يأكلان الطعام .
( 4 ) وسؤالين استنكاريين وتنديديين موجهين للنصارى: فهل يجوز أن يعبدوا من دون الله ما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا .وهل لا ينبغي لهم أن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى الله من أقوالهم .وهو الغفور الرحيم الذي يقبل توبة التائبين إليه .أما الذين يظلون منحرفين ظالمين أنفسهم فليس لهم أنصار ينصرونهم من الله .
ولم يرو المفسرون رواية خاصة بنزول هذه الآيات أيضا .والمتبادر أنها متصلة هي الأخرى بالسياق السابق اتصال تعقيب وتنديد وتذكير وإنذار .
ومع أن الآية الأخيرة قد تلهم أن الخطاب الذي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيهه فيها إلى النصارى كان وجاهيا ،وعلى سبيل التنديد الجدلي .فإن السياق السابق واللاحق يلهم أن هذه الآية منسجمة مع سائر الآيات .ويجعلنا نرجح أن السؤال فيها أسلوبي وعلى سبيل التنديد من جهة وعلى سبيل تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يوجهه من حجة مفحمة للنصارى من جهة أخرى .ويتبادر أنها جاءت من باب الاستطراد لبيان انحراف النصارى أيضا عن الإنجيل ودعوة المسيح كما انحرف اليهود .ولتوكيد كون أهل الكتاب اليهود والنصارى معا ليسوا على شيء ما داموا لا يقيمون التوراة والإنجيل على ما قررته الآية ( 72 ) بالإضافة إلى عدم اتباع ما أنزل الله إليهم على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
والفقرة الأولى من الآية الأولى وردت في الآية ( 17 ) من هذه السورة .وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار .ولقد علقنا على موضوع التثليث الذي تضمنته الآية الثانية وعقيدة النصارى بأن الآلهة ثلاثة في سياق الآية ( 171 ) من سورة النساء بما يغني كذلك عن التكرار .وإن كان من شيء نزيده هنا فهو تقرير الآية هنا كفر الذين يثلثون الآلهة ويقولون: إن الله الذي هو في عقيدتهم واحد من الأقانيم الثلاثة ثالث ثلاثة .فهذا التقرير هنا جديد ؛لأن آية النساء جاءت بأسلوب التنديد والاستنكار والنهي .
ومن الجدير بالذكر أن الأناجيل المتداولة اليوم والتي يعترف بها النصارى قد احتوت أقوالا كثيرة منسوبة إلى المسيح فيها مصداق لما جاء في الآيات من حيث كونه بشرا وابن الإنسان ،ومن حيث إنه كان يدعو إلى الله ويصفه بأنه ربه ورب كل الذين يخاطبهم ورب الناس .وقد أوردنا طائفة من هذه الأقوال في سياق تفسير سورة مريم فلا نرى حاجة إلى التكرار إلا أن نقول: إنه من وجهة النظر الإسلامية أن ما يعزى في الأناجيل المتداولة إلى عيسى عليه السلام من أقوال فيها ما يمكن أن لا يتطابق مع القرآن في هذه الآيات وفي غيرها صراحة أو تأويلا من كون المسيح بشرا كسائر البشر ولد بمعجزة ،ورسولا كسائر الرسل دعا إلى الله وحده وكون الله عز وجل واحدا لا شريك له ولا ولد ،ولا يقبل التعدد والتجزؤ هو منحول أو محرف عن أصله الحق .ومن الجدير بالتنبيه أن الروايات القديمة ذكرت أن من رجال المذاهب النصرانية في القرون النصرانية الأولى من كان يعتقد ويقول ببشرية عيسى عليه السلام وكونه رسولا ونبيا وحسب ،وينكر ألوهيته وألوهية أمه ) ( 1 ){[832]} .
وذكر أم المسيح ووصفها بالصديقة متصلان كما هو المتبادر بعقيدة اليهود والنصارى فيها .فالأولون بهتوها وقذفوها كما حكته الآية ( 159 ) من سورة النساء وأوردنا في سياق ما يروجونه من روايات قديمة ( 2 ){[833]} .ومن الآخرين من ألهها وعبدها كما هو مأثور في الروايات التاريخية ( 3 ){[834]} .بل وقائم إلى الآن عند بعض الطوائف النصرانية .فالإشارة القرآنية هي بسبيل الرد على هؤلاء وهؤلاء ووضع أم المسيح في موضعها الحق من كونها مؤمنة مخلصة لله طاهرة من الدنس ،وكون الله قد جعلها محل عنايته وبركته واصطفاها لمعجزة ولادة المسيح بدون مس رجل على ما جاء في آيات آل عمران ( 33 – 48 ) وآيات مريم ( 1 – 2 ) وقد أوردنا ما جاء في صدد ذلك في الإصحاح الأول من إنجيل لوقا في سياق تفسير سورة مريم ،فنكتفي بالتنبيه إلى ذلك .وإذا كان في بعض آيات القرآن بيانات ليست واردة في هذا الإصحاح فالذي نعتقده أنها وردت في قراطيس وأناجيل أخرى لم تصل إلينا .