لقد تحدثنا في تفسير الآية( 17 ) من هذه السورة عن معنى الكفر في الإسلام ،وذكرنا أنَّ الانحراف في التصوّر لفكرة الإله ،كالإيمان بتجسده في رجل كالمسيح ،وكعليّ كما يعتقده الغلاة فيه ،هو مظهرٌ من مظاهر الكفر ،وبذلك يلتقي الكفرفي مفهومه الإسلاميبالعقيدة الّتي تجسد الله في المسيح ليكون المسيح هو الرب والإله ،{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} أو تحوّل إلى حقيقةٍ واحدة ،مؤلفةٍ من ثلاثة أقانيم كما هو في عقيدة الأب والابن والروح القدس ،لأنَّ كلاً من هذين التصورين يُمثِّل الانحراف عن الخط الإسلامي للعقيدة .وقد عالج القرآن هذه الفكرة بعدّة أساليب ،فنراه في الآية الأولى يشير إلى شهادة المسيح على نفسه بالعبوديّة في دعوته النَّاس إلى عبادة الله{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِى إِسْرَائيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبُّى وَرَبَّكُمْ} فإنَّ من كان الإله متجسداً فيه ،لا يكون له رب بل هو الرب .ويؤكد الفكرة بالحديث عن مصير المشركين بالله الَّذين يتمثَّل إشراكهم تارة في عبادة غير الله مع الاعتراف بمغايرته له ،إلى جانب عبادة الله من أجل أن يقربهم إلى الله زلفى ،وأخرى في عبادة غير الله مع الاعتراف بأنَّه الله ،لأنَّ النتيجة فيهما واحدة وهي عبادة غير الله في الحقيقة ،الّتي حرّم الله الجنَّة على أصحابها وجعل مسكنهم النَّار ،{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [ لقمان:13] في ما يُمثِّله من إساءة لعظمة الله وحقّه في توحيد العقيدة والعبادة .