التّفسير
تعقيباً على البحوث الماضية بشأن انحرافات اليهود التي مرّت في الآيات السابقة ،تتحدث هذه الآيات والتي تليها عن انحرافات المسيحيين ،فتبدأ أولا بأهم تلك الانحرافات ،أي «تأليه المسيح » «تثليث المعبود »: ( لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم ) .
وأيّ كفر أشدّ من أن يجعلوا الله اللامحدود من جميع الجهات متحداً مع مخلوق محدود من جميع الجهات ،وأن يصفوا الخالق بصفات المخلوق .مع أنّ المسيح( عليه السلام ) نفسه يعلن صراحة لبني إِسرائيل: ( يا بني إِسرائيل اعبدوا الله ربّي وربّكم ) وبهذا يستنكر كل لون من ألوان الشرك ،ويفرض الغلوّ في شخصه ،ويعتبر نفسه مخلوقاً كسائر مخلوقات الله .
ولكي يشدد المسيح التوكيد على هذا الأمر ،وليزيل كل إِبهام وخطأ ،يضيف قائلا: ( إِنّ من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنّة ومأواه النّار ) .
ويمضي في التوكيد وإِثبات أنّ الشرك والغلو ضرب من الظلم الواضح ،فيقول أيضاً: ( وما للظالمين من أنصار ) .
سبق أن أشرنا إلى أنّ تاريخ المسيحية يؤكّد بأنّ التثليث لم يكن معروفاً في القرون الأولى من المسيحية ،ولا حتى على عهد المسيح( عليه السلام ) ،بل أن الأناجيل الموجودةعلى الرغم من كل ما فيها من تحريفات وإِضافاتليس فيها أدنى إِشارة إلى التثليث ،وهذا ما يعترف به المحققون المسيحيون أنفسهم ،وعليه فإِن ما ورد في الآية المذكورة عن إِصرار المسيح( عليه السلام ) على مسألة التوحيد إِنّما ينسجم مع المصادر المسيحية الموجودة ،ويعتبر من دلائل عظمة القرآن{[1100]} .
وينبغي الالتفات إلى أنّ الموضوع الذي تتناوله الآية هو الغلو ووحدة المسيح بالله ،أو بعبارة أُخرى ،هو «التوحيد في التثليث » .
/خ73