{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ( 56 ) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ ( 1 )الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ( 2 ) ( 57 ) قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ( 3 ) ( 58 )} [ 56 – 58] .
في الآيات أمر رباني للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعلن للكفار أن الله تعالى نهاه عن عبادة ما يدعون من دونه من إتباع أهوائهم ؛لأنه يكون حينئذ ضالا غير مهتد في حين أنه غدا على بينة من ربه بالرغم من تكذيبهم وجحودهم ،وبأن يعلن لهم كذلك أن ما يستعجلونه ليس في يده ولو كان في يده لكان الأمر قد انقضى بينه وبينهم ،ولكنه بيد الله الذي يقول الحق ويقضي به وهو خير الفاصلين ،وهو الأعلم بالظالمين الباغين .
والآيات كما هو المتبادر متصلة بالسياق المستأنف فيه حكاية ما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار من حجاج ونقاش .
ومن المحتمل أن تكون جملة{لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُم} ردا على ما كان زعماء الكفار يطالبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم به من إقصاء فقراء المسلمين عنه مما تضمنته الآيات السابقة ،كما أن من المحتمل أن يكون في صدد ما طالبوا به من التساهل معهم في بعض الشؤون مما تضمنته آيات أخرى مر بعضها منها في آيات سورة الإسراء [ 73 – 74] وآيات سورة القلم [ 9 – 10] أما جملة{مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِه} فالجمهور على أنها تعني العذاب الذي أوعد القرآن الكفار به ،وكان الكفار يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتعجيل به استخفافا وإنكارا وهو وجيه .وقد حكته عنهم آيات عديدة مر بعضها ،مثل آيات سورة يونس [ 48 – 50] وآية سورة هود [ 8] وآيات سورة الشعراء [ 202 – 208] .
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا عن عائشة جاء فيه: ( إنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ،فقال: لقد لقيت من قومك ،وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة .إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت .فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب .فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني فنظرت ،فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك ،وما ردوا عليك وقد بعثت إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك ،وقد بعثني إليك لتأمرني بأمرك .إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال رسول الله: بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ) .وقال ابن كثير: إن الحديث ورد في صحيحي البخاري ومسلم عن طريق الزهري عن عروة عن عائشة .
وينطوي في الحديث أولا: مشهد من المشاهد الروحانية التي كشفها الله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لتسكينه وتطمينه .ثانيا:حكمة حكم الله ورسوله فيما كان من عدم التعجيل بالعذاب على قومه الذين ناوأوه وهذا ما تكررت الإشارة إليه في آيات عديدة بعضها في سور سبق تفسيرها .ثالثا: صورة من صدق عاطفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإشفاقه التي كانت تعتلج بها نفسه صلى الله عليه وآله وسلم .ولقد صدق الله ظنه فآمن كثير من الكافرين وأخرج من أصلابهم مؤمنين مخلصين صادقين .
أما عبد ياليل المذكور في الحديث فهو زعيم الطائف حيث ذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليها بعد موت عمه لعله يجد نصيرا ،فرد أقبح رد ورشق حتى أدمى .وعاد كسيرا حزينا وناجى ربه في الطريق مناجاة سنوردها في سياق تفسير سورة الأحقاف ؛لأن لها مناسبة أكثر ملاءمة فيها ،فكان ذلك المشهد والحوار اللذان ذكرا في الحديث .