{ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين56 قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين57 قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين58} .
بعد أن أرشد الله تعالى رسوله إلى ما تقدم من سياسة المؤمنين ، وتبليغهم ما ذكر من أصول حكمة الدين ، عاد إلى تلقينه ما يحاج به المشركين ، من بلاغ الوحي وناصع البراهين .فقال:
{ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله} النهي الزجر عن الشيء بالقول- مثل لا تكذب واجتنب قول الزور- والكف عنه بالفعل ومنه قوله تعالى:{ ونهى النفس عن الهوى} [ النازعات:40] .والدعاء النداء وطلب إيصال الخير أو دفع الضر من الأعلى وإنما يكون عبادة إذا كان في أمر وراء الأسباب المسخرة للعباد التي ينالونها بكسبهم لها واجتهادهم فيها وتعاونهم عليها ، فإن ما نعجز عن نيله بالأسباب المسخرة لنا لا نطلبه إلا من الخالق المسخر للأسباب- وقد بينا ذلك مرارا كثيرة- فالله تعالى يقول لرسوله هنا قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الذين يدعون مع الله آلهة أخرى ، إني نهيت أن أعبد الذين تدعونهم وتستغيثونهم من دون الله أي غير الله من الملائكة وعباد الله الصالحين بله ما دونهم من الأصنام والأوثان التي لا علم لها ولا عمل .وهذا النهي يصدق بنهي الله تعالى إياه عن ذلك في آيات القرآن الكثيرة وأمره بضده وهو دعاء الله تعالى وحده ، وبنهي العقل والفطرة السليمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل البعثة موحدا ، ولم يكن قط مشركا ، ولأجل هذا قال نهيت بالبناء للمفعول{ قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ( 56 )} أي قل لهم لا أتبع أهواءكم في عبادتهم ولا في غيرها من أعمالكم التي تتبعون بها الهوى ، ولستم في شيء منها على بينة ولا هدى ، ولماذا ؟ لأنني إن اتبعتها فقد ضللت ضلالا أخرج به من جنس المهتدين فلا أكون منهم في شيء فإن هذا الضلال لا يقاس بغيره لأنه هو الضلال البعيد عن صراط الهدى .