الرسول يدعو إلى الله وينبذ أهواء المشركين
وهذه صورةٌ رائعةٌ من صور الرسول الداعية في مواجهته للمشركين ،في ما يريد أن يثيره لديهم من قضايا العقيدة ،في انطلاقة التوحيد أمام الشرك ،من خلال التصوّر الرحب لما هو الله ،في الفكر والقلب والضمير ،حيث يفرّغُ كل شيءٍ غير الله من أيّ معنًى يتّصل بالألوهيّة ،أو يقترب منها ،أو يلامسها ،ولو من بعيد ،لأن الأشياء لا تملكفي عمق وجودهاأيّ لونٍ من ألوان الاستقلال الذاتي ،فكيف تملك إعطاء الوجود لغيرها ؟!
وهكذا يتجلّى الرسول في إشراقة الموقف الحق ،فنراه وهو يرفض كل دعواتهم للشرك ،ويجابه كل تحدياتهم واقتراحاتهم التعجيزيّة ،ولكن لا من ناحيةٍ تدّعي لنفسها الإحاطة في نطاق المعرفة ،بل من ناحية الشخصية المتحركة في خط العبودية لخالقها ،العالم بكل شيء ،المدبّر لأمور عباده ،فيأمرهم بما يرى أنه الصلاح ،وينهاهم عما يرى أنه الفساد .
وبذلك يقف الرسولالعبد لله ،في موقف الخاضع لنواهيه ،ليقول لهم:{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} فقد آمنتُ بالله على قاعدة الفطرة ،التي أثبتت أن لا إله غيرهُ ..وها أَنا ذا أحسّ إحساس العبد الخاشع أمام ربّه بأنّ العبودية هي لله وحده ،فلا مجال لعبادة أو طاعة غيره ،في ما نهاني عنه ممن تدعون من دونه من غير قاعدة أو برهان ..فإنكم لم تنطلقوا في دعوتكم لغيره إلا من أهوائكم المنطلقة من الشهوات ،فكيف يختار العاقل الواعي لنفسه أن يتّبع الهوى ،ويترك الحجّة والدليل والفطرة والوجدان ؟{قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ} فإن ذلك يؤدي إلى الضلال والضياع بعيداً عن خط الهدى ،{قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} وهذا ما لا يمكن أن أختاره لنفسي ،مهما اشتدت الضغوط ،وكثرت التحدّيات .