{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 9 ) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ( 10 ) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 11 )} .
تعليق على الآية
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ9} والآية التالية لها وما فيهما من تلقين .
عبارة الآيات واضحة وفيها:
( 1 ) تحذير للمؤمنين من إلهاء أموالهم وأولادهم لهم عن ذكر الله لأن من يكن هذا شأنه فإنه من الخاسرين .
( 2 ) وحث لهم على الإنفاق في سبيله وهم في سعة من الوقت والعمر .وقبل أن يداهمهم الموت فيندموا ويتمنوا على الله أن يؤخر أجلهم حتى يتصدقوا ويكونوا من الصالحين .
( 3 ) وتنبيه لهم بأن الندم والتمني لن يجدياهم شيئا ؛لأن الله لن يؤخر نفسا إذا جاء أجلها وإنه لخبير بنواياهم وأعمالهم .
ولم نطلع على رواية خاصة في نزول الآيات .ومع أن عبارتها مطلقة .وتبدوا أنها فصل جديد .فإننا نرجح أنها متصلة بالآيات السابقة اتصال تعقيب والتفات لتلقين المؤمنين المخلصين ما هو الأمثل لهم والأحرى بهم في مناسبة ذكر مواقف المنافقين البغيضة ،وزجرهم وتقريعهم ،ولا سيما أن دعوة المنافقين إلى عدم الإنفاق على من عند رسول الله التي حكتها تلك الآيات هي دعوة إلى أقاربهم وذوي رحمهم وعشيرتهم من الأنصار .ومعظمهم كانوا مخلصين في إيمانهم بالله ورسوله .
والآيات في حد ذاتها جملة تامة ،وأسلوبها قوي نافذ إلى القلوب والعقول .
وهي مطلقة التوجيه فيكون ما فيها من أمر ونهي وتحذير شاملا لكل المسلمين في كل مكان ليكون ذلك خطتهم المثلى التي يسيرون عليها .
وأسلوب الآيات وفحواها يجعلاننا نقول هنا ما قلناه في مناسبات سابقة مماثلة وبخاصة في سياق الآية ( 37 ) من السورة السابقة التي فيها تنويه بالذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ،وهو أن ما فيها من تحذير ونهي منصبان على الاستغراق في حب الأموال والأولاد استغراقا يؤدي إلى التقصير في واجب ذكر الله والإنفاق في سبيله .وليس على الاشتغال بالتجارة وكسب المال والاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا والأولاد فهذا مما أباحه القرآن للمسلمين في مواضع كثيرة صراحة وضمنا على ما نبهنا عليه في نطاق الاعتدال والقصد وعدم التقصير في الواجبات .
ولقد أورد المفسرون في سياق هذه الآيات رواية عن ابن عباس تفيد أن هذه الآيات هي في صدد الحج والزكاة وإيجاب فعلهما على المؤمنين في فسحة من العمر والوقت{[2232]}
ولقد روى هذا الترمذي بهذه الصيغة ( من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه الزكاة ،فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت .فقال رجل: يا ابن عباس اتق الله إنما يسأل الرجعة الكفار .قال: سأتلو عليك بذلك قرآنا ،ثم تلا الآيات فسأله الرجل فما يوجب الزكاة ؟قال إذا بلغ المال مائتي درهم فصاعدا .فسأله فما يوجب الحج ؟قال الزاد والبعير ){[2233]} .
وليس في هذه الصيغة ما يفيد أن الآيات في صدد أداء فريضتي الحج والزكاة كما هو ظاهر ،وإنما أورد ابن عباس الآيات جوابا على سؤال في صدد تمني المسلمين المقصرين في واجبات الزكاة والحج الرجعة{[2234]} .
وعلى هذا فإن ما ذكرناه في صدد صلة الآيات بسابقاتها واحتوائها خطة شاملة لكل المسلمين يظل في محله إن شاء الله .