{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 9 )} .
وهذه الآية أيضا لا يروي المفسرون لها مناسبة فيما اطلعنا عليه .ومع أنها تبدو مستقلة عما قبلها وبعدها سياقا وموضوعا ،فليس من شأن هذا أن يجعلها في مكانها فقد تكون استطرادية بعد الآيات السابقة التي دعت إلى التوبة واجتناب عذاب الله ،وأشارت إلى مصير الكفار الأخروي وعدم جدوى اعتذارهم في يوم القيامة ؛لتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوقوف من الذين كفروا برسالته علانية ،وهم الكافرون وسرّاً ،وهم المنافقون موقف الشدة والمجاهدة .ولتنذر بمصيرهم الأخروي المحتم وهو جهنم ،ومثل هذه الاستطرادات غير نادر في النظم القرآني كما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة .ومما يمكن أن يسوغ هذا ما يبدو من صلة وثيقة بين الآيات التالية لهذه الآية والآيات السابقة لها بحيث يستعبد أن تكون هذه الآية فذة كما قلنا في مكانها لا تتصل بما سبقها وما لحقها اتصالا مباشرا ،أو غير مباشر .والله أعلم .
ولقد فرق المفسرون{[2265]} عزوا إلى ابن عباس وابن مسعود وبعض علماء التابعين في الموقف الواجب وقوفه من كل من الكافرين والمنافقين بحيث تكون مجاهدة الكافرين بالسيف والمنافقين بالحجة والغلظة في التنديد والتثريب .مع أنه ليس في الآية ما يسوغ هذا الفريق ،ولاسيما أنها جعلت مصير الفريقين الأخروي واحدا .
ويتبادر لنا أن هذا التفريق مستلهممن موقف النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين ؛حيث لم ير قتالهم وقتلهم لاعتبارات عديدة منهم أنهم كانوا مسلمين في الظاهر يقرون بوحدانية الله ورسالة رسوله ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويشتركون في الحركات الجهادية على ما شرحناه في سياق سور البقرة والأحزاب والنساء وقد يكون هذا في محله .والله أعلم .
وعلى ضوء ما شرحناه في مناسبات سابقة ،فإن كان الجهاد المأمور به النبي الكفار يعني القتال ،فإنه يكون بالنسبة للأعداء منهم دون المسالمين .أما إذا كان يعني بذل الجهد في الإنذار فيصح أن يكون الأمر واردا بالنسبة لجمع الكفار وبالنسبة للمنافقين معا .