التّفسير
نماذج من النساء المؤمنات والكافرات:
بما أنّ المنافقين يفرحون لإفشاء أسرار الرّسول وإذاعة الأخبار الداخلية عن بيته ،ويرحبون ببروز المشاجرات والاختلافات بين زوجاتهالتي مضت الإشارة إليها في الآيات السابقةبل إنّهم كانوا يساهمون في إشاعة تلك الأخبار وإذاعتها بشكل أوسع ،نظراً لكلّ ذلك فقد خاطب القرآن الكريم الرّسول بأن يشدّد على المنافقين والكافرين ويغلّظ عليهم .حيث يقول: ( يا أيّها النبي جاهد الكفّار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنّم وبئس المصير ) .
الجهاد ضدّ الكفّار قد يكون مسلّحاً أو غير مسلّح ،أمّا الجهاد ضدّ المنافقين فإنّه بدون شكّ جهاد غير مسلّح ،لأنّ التاريخ لم يحدّثنا أبداً عن أنّ الرّسول خاض مرّة معركة مسلّحة ضدّ المنافقين .لهذا ورد في الحديث عن الإمام الصادق( عليه السلام ): «إنّ رسول الله لم يقاتل منافقاً قطّ إنّما يتألّفهم »{[5343]} .
وبناءً على ذلك فإنّ المراد من الجهاد ضدّ المنافقين إنّما هو توبيخهم وإنذارهم وتحذيرهم ،بل وتهديدهم وفضحهم ،أو تأليف قلوبهم في بعض الأحيان .فللجهاد معنى واسع يشمل جميع ذلك .والتعبير ب «أغلظ عليهم » إشارة إلى معاملتهم بخشونة وفضحهم وتهديدهم ،وما إلى ذلك .
ويبقى هذا التعامل الخاصّ مع المنافقين ،أي عدم الصدام المسلّح معهم ،ما داموا لم يحملوا السلاح ضدّ الإسلام وذلك بسبب أنّهم مسلمون في الظاهر ،وتربطهم بالمسلمين روابط كثيرة لا يمكن معها محاربتهم كالكفّار ،أمّا إذا حملوا السلاح فيجب أن يقابلوا بالمثل ،لأنّهم سوف يتحوّلون إلى ( محاربين ) .
ولم يحدث مثل ذلك أيّام حياة الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكنّه حدث في خلافة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) حيث خاض ضدّهم معركة مسلّحة .
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المقصود من «الجهاد ضدّ المنافقين » الذي ورد ذكره في الآية السابقة هو إجراء الحدود الشرعية بحقّهم ،فإنّ أكثر الذين كانوا تجرى عليهم الحدود هم من المنافقين .ولكن لا دليل على ذلك ،كما لا دليل على أنّ الحدود كانت تجرى على المنافقين غالباً .
الجدير بالذكر أنّ الآية السابقة وردت أيضاً وبنفس النصّ في سورة التوبة الآية 73 .
ومن أجل أن يعطي الله تعالى درساً عملياً حيّاً إلى زوجات الرّسول الأعظم( صلى الله عليه وآله وسلم ) عاد مرّة أخرى يذكر بالعاقبة السيّئة لزوجتين غير تقيتين من زوجات نبيين عظيمين من أنبياء الله ،وكذلك يذكر بالعاقبة الحسنة والمصير الرائع لامرأتين مؤمنتين مضحيّتين كانتا في بيتين من بيوت الجبابرة ،حيث يقول أوّلا: ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما ،فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين ){[5344]} .