وتبقى مسألة الكفار والمنافقين هي الشغل الشاغل لكل جهد النبي والذين آمنوا معه والسائرين في طريقه من بعده ،ليكون الجهاد هو السبيل للوصول إلى حلٍّ حاسمٍ في الموضوع ،سواء كان جهاداً بالكلمة أو بالقوّة ،لأن كثيراً من الأوضاع القلقة المضادة لا يمكن أن تعالج باللامبالاة ،لأن ذلك يؤدّي إلى تعاظمها وتناميها واستمرارها ،بل لا بد من أن تعالج بالجدّية المتحركة في نطاق الوعي الواقعي للموقف .
{يا أيّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} حتى تمنعهم من العبث بالواقع الإسلامي في سلامة المجتمع المسلم من الخلل والفتنة والتآمر ،ومن الضغوط الخارجية والداخلية الناشئة من قوّة مجتمع الكفر والنفاق .
{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} لأن اللين هو الأسلوب المتبع في الحالات الطبيعية التي يُقصد فيها الإقناع والمعالجة السلمية للمشاكل الخفيفة الطارئة في الحياة العامة ،مما لا ينفع معه اللجوء إلى القوّة ،بل ربما تؤدي إلى ضررٍ كبيرٍ ،ومشكلةٍ أعظم .أمَّا الحالات الشديدة الصعبة التي تمثل مستوى الخطورة على الوضع الإسلامي العام ،من قِبَل القوى الكافرة والمنافقة التي تأبى الحوار وتمتنع عن التفاهم ،فلا بد من مواجهتها بمثل أسلوبها الصداميّ ،لتكون القوّة في مواجهة القوّة ،ولينطلق العنف ليتحدى الذين لا يفهمون إلا بلغة العنف ،فليس هناك حلٌّ معهم إلا بهذه الطريقة ،لأنهم ابتغوا سبيل العناد والحرب على الله ورسوله ،وأغلقوا عقولهم وقلوبهم عن كلمات الحق ودعوات الخير ،فاستحقوا غضب الله{وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ،فهذا هو الجزاء الطبيعي في كل أعمالهم وأوضاعهم الكافرة الشريرة .